كتبت رندلى جبور
في الخمسين سنة الأخيرة، لم ينتصر المحتل والغازي ومَن هو مِن غير أصحاب الأرض، إلا بحروب قليلة جداً. إذ لم تعد القوة هي الناخب الأكبر في المعارك، ولم تعد وحدها معيار الانتصار. فقد دخلت على الخط معايير أخرى، مثل الإرادة والكرامة والصبر والبطولة والعزيمة، وأحقية القضية، والنزعة للتحرر، وأصل الانتماء.
وبالتالي، بات مَن يَصنع التاريخ هم أبناء الجغرافيا الحقيقيون. وهذه الجغرافيا التي ننتمي إليها، والعائمة اليوم على سطح الدم، هي عربية متنوعة، وليست يهودية عنصرية.
ولذلك، وعلى الرغم من مرور السنين على أطول احتلال في التاريخ الحديث، لم تسقط قضية فلسطين، ولم تتحقق المشاريع الصهيونية.
ولذلك، حرّر لبنان الجزء الأكبر من أرضه، وانتصر ذات تموز.
ولذلك، لم تتقسّم سوريا على قياس دويلات أقرب إلى الكيانات المذهبية التي توافق الأحلام الاسرائيلية.
ولذلك، لم يستطع تحالف طويل عريض من أخذ اليمن، على الرغم مِن أن مَن واجهه هي مجموعة صغيرة وينظرون إليها على أنها “شبه بدائية!
ولذلك، لم تنطفئ المقاومات مع استشهاد قادتها.
ولذلك، انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، بغض النظر عن رأينا السلبي بحكم “طالبان”.
ولذلك، لم تتمكن “داعش” من إنشاء دولتها، على الرغم من مدّها بكل الدعم.
ولذلك، لم تهدّ العقوبات والحصار إيران، بل جعلت منها قوة مكتفية، متطورة، ونافذة.
ولذلك، تلقّت صفقة القرن صفعة، وتعثّرت الاتفاقات الابراهيمية ولم يمرّ الممر الهندي.
ولذلك، وبدلاً من وجود مقاومة واحدة ووحيدة أو مقاومات متشتتة، صار هناك “محور”.
لا شك أن أثمان الحفاظ على الجغرافيا ـ بهويتها الحقيقية ـ كبيرة. ولكن أثمان خسارة الهوية، والتسليم بمشاريع “الشرق الأوسط الجديد” وبرؤية “اليوم التالي” المشبوهة، والسلام الذي يريدونه استسلاماً، والسير بخرائط “إسرائيل الكبرى” التي تجعل العصمة في يد الصهاينة في الاقتصاد والتجارة والموارد والممرات والسياسة والتحكم، باهظة.
أما من يعوّلون على أن مدّ يدهم لهذه المشاريع، ستمدّهم بالقوة والسلطة، فهم حتماً لا يعرفون أن المتعاون مع العدو أو العميل لن يكون سلطاناً يوماً.
هو مجرد أداة يستخدمها العدو لتنفيذ ما يريد، ثم يرميها في سلة المهملات، وهو أصلاً سيكون قد وصل برجليه إلى مزبلة التاريخ. وتجارب العملاء من كل الرتب شاهدة على نهاياتهم.
فهؤلاء ينبذهم أهلهم ويحتقرهم من استخدمهم، هذا إذا لم ينهيهم.
أما الابطال، ولو كانوا يخوضون معاركهم بقدرات أقل من العدو، ولو استشهدوا، فهم سيُكتَبون مع الخالدين، وسيُدَرَّسون كرموز كان لها شرف المحاولة والكرامة والبطولة.
وعلى فكرة، إن قادة المقاومات يستشهدون كما المجاهدين، والقائد الذي يساوي نفسه بالجندي، ما ظَلَم.
أما القيادات الاسرائيلية فتقاتل بعناصرها ومرتزقتها، ولم يُقتَل منها إلا واحد فقط على مرّ تاريخها، وبرصاص يهودي داخلي، والسبب أنه كان مؤيداً للسلام مع الفلسطينيين.
أبناء الجغرافيا هم من يصنعون التاريخ، وبكل الحالات، فإن الأقوى إن لم ينتصر فهو مهزوم، والأضعف إن لم ينهزم فهو منتصر.
وهذا الأضعف هو أولاً فكرة وروح وحق… وهذه كلّها لا يمكن أن تنهزم.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :