يتجاوز ما تفعله القوات اللبنانية في بلدية الجديدة - البوشرية - السد كل حدود المنطق، ويفتح الباب واسعًا أمام التساؤل عمّا إذا كان رئيس الحزب سمير جعجع وقيادة معراب على علمٍ فعليّ بما يجري، أم أنّ ما يُشاع عن «تنظيمٍ حديديّ» ومتابعة جعجع الدقيقة لكل صغيرةٍ وكبيرةٍ ليس سوى وهمٍ. فالأحداث الأخيرة تُسقط ببساطةٍ كل الأقنعة التي أنفقت القوات جهودًا مالية وإعلامية ضخمة لترسيخها، وتعيد إلى الأذهان الشعبية - لا الحزبية - ملامح الحقبة الميليشياوية بكل ما حملته من ممارساتٍ وبشاعات.
فبعد انخراط القوات في ائتلافٍ انتخابيٍّ متناقضٍ خلال الانتخابات البلدية الأخيرة للسيطرة على المجلس البلدي لإحدى أكبر وأهم البلدات المسيحية، شرعت بتقديم إغراءات لأعضاء محسوبين على رئيس المجلس أوغست باخوس لاستمالتهم نحو صفّها. ولم تكتفِ بذلك، بل عمدت إلى تعطيل جهاز الشرطة في المدينة عبر حثّ العناصر المحسوبين عليها على الامتناع عن التعاون مع العميد المتقاعد الذي كلّفه باخوس بإدارة الجهاز مؤقتًا، ريثما يُصار إلى تعيينه رسميًّا.
ومع أنّ القوات كانت تعلم أنّ القصر الجمهوري يدعم تعيين هذا العميد تحديدًا في هذا الموقع نظرًا لدور الجديدة وموقعها في قلب المتن الشمالي، كثّفت جهودها لمنع تعيينه، ما أعاد إلى الأذهان مشاكلها التاريخية مع الجيش اللبناني. فإصرارها غير المبرّر على الإمساك بجهاز الشرطة ورفضها تسليمه لضابطٍ متقاعدٍ مشهودٍ له بالكفاءة وحسن الإدارة، لا يُفهَم إلا في سياق حساسيتها المزمنة تجاه المؤسستين العسكرية والرئاسية.
ففي خطوة تنسف كل ما تتغنّى به القوات من شعاراتٍ حول بناء الدولة ومكافحة الفساد، أصرت القوات في الجلسة الأخيرة للمجلس البلدي على تأجير العقار رقم 1412 العائد لبلدية الجديدة، والمقابل لقصر العدل، للسيد إيلي شمعون مقابل 50 دولارًا شهريًّا فقط، ما يشكّل فضيحة موصوفة تستدعي تدخّلًا عاجلًا من الهيئات الرقابية، إذ لم يشهد تاريخ البلديات اللبنانية حالة مماثلة من استباحة الأملاك العامة بهذه الوقاحة.
يُذكر أن مسؤول القوات اللبنانية في الجديدة ميشال الجمال – الذي بدّل ولاءه بعد الانتخابات من باخوس إلى القوات – هو من تولّى الاتصال بأعضاء المجلس وجمع تواقيعهم لتغطية هذه المخالفة الفاضحة.
والأخطر في هذه الخطوة أنها لا تسيء فقط إلى صورة القوات اللبنانية وشعاراتها المعلنة حول النزاهة ومكافحة الفساد، بل تهدد علاقتها بجمهورها نفسه. فالمئات من المؤيدين للحزب يعتبرون أنفسهم أحقّ من شمعون بهذه الأرض، والمئات من الشباب يحلمون بالحصول على قطعة صغيرة من الأملاك البلدية بسعرٍ رمزيٍّ لإقامة كشكٍ أو مشروعٍ صغيرٍ يوفّر لهم مصدر رزق. غير أنّ القوات، بدل أن تنظّم عملية الانتفاع من الأملاك العامة بما يخدم المواطنين والبلدية معًا، آثرت - وبكل استخفاف - أن تفتح دكانًا بلا مبرر، لتقدّم مثالًا صارخًا على ازدواجية الخطاب والممارسة.
وكانت المحامية ماريان شهاب الراعي قدّمت إخبارًا إلى وزارة الداخلية والبلديات حول قرارٍ البلدية المتعلّق بتأجير العقار، فردّت البلدية ببيان معيب اتهمت فيه الراعي بالتحرك بدوافع كيدية، واصفة الإخبار بأنه مسيّس وشخصي. من جهتها، ردّت الراعي على الرد، مؤكدةً أنّ الإخبار قُدِّم وفق الأصول، وأنّ ما صدر عن البلدية يهدف إلى تحويل قضية قانونية إلى مواجهة شخصية للتغطية على مخالفة واضحة. وأوضحت أنّ الإخبار ليس شكوى، بل إجراء رقابي مشروع يهدف للتحقق من سلامة القرارات، مشيرة إلى أنّ تبرير الإيجار من دون مزايدة بحجّة صِغر المساحة غير دقيق قانونيًا، خصوصًا أنّ العقار يقع في منطقة تجارية ويُستخدم لنشاطٍ ربحي، ما يُحتّم المزايدة العلنية حفاظًا على المال العام.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :