كتب رشيد حاطوم
لم يكن الكتاب المفتوح الذي وجّهه حزب الله إلى الرؤساء الثلاثة مجرّد رسالة سياسية، بل وثيقة موقف ووضوح رؤية، تقف عند خطوط النار بين عدوان صهيوني لا يتوقف، ومحاولات متكرّرة لإعادة جرّ لبنان إلى طاولة تفاوض لا تُنتج إلا المزيد من الإملاءات والانصياع.
البيان ـ وبمقدار ما هو مُحكم في توقيته ـ جاء ليؤكّد على المسلّمات الوطنية الكبرى: أنّ وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024 ليس مدخلاً لنزع سلاح المقاومة، ولا سُلَّماً لتصريف المطالب الإسرائيلية عبر قنوات “التحسينات الشكلية” على القرار 1701. هذه الخطوط ليست تفاصيل، بل جوهر المعركة على السيادة اللبنانية.
المقاومة تقول بوضوح: التزام لبنان بالإعلان حقيقي ودقيق، بينما الخروقات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية لم تتوقف لحظة. هذا ليس خلاف تأويل قانوني، بل حقيقة ميدانية، تجعل الحديث عن “حسن نية لبنانيّة” يجد ترجمته الوحيدة في جيوب العدو وأجندته.
النقطة المحورية الثانية في مضمون الرسالة: السلاح لا يُناقَش في ظل الابتزاز الإسرائيلي. لا على الطاولة الأميركية، ولا تحت الضغط الإعلامي، ولا في سياق محاولة “تهذيب” النصوص الدولية. السلاح جزء من منظومة استراتيجية دفاعية تُبنى وطنياً، لا تُنتزع تحت الضغط، ولا تُقايض في لحظة مفصلية. وهذه حقيقة يعرفها العدو، ولذلك يطلبها تحديداً.
أما النقطة الثالثة فهي الأهم سياسياً: إسرائيل لا تستهدف حزباً بعينه، بل تستهدف “قدرة لبنان” على رفض الشروط. بمعنى آخر: هي تهاجم إمكانية وجود لبنان حرّ، قبل أن تهاجم بندقية المقاومة.
وضمن هذا السياق تحديداً، يكتسب نقد البيان لموقف الحكومة مؤخراً دلالته الكبرى: فذلك القرار الذي طُرح تحت عنوان “حصرية السلاح” في لحظة ابتزاز عالي التوتر، لم يكن قرارًا وطنياً محسوبًا من داخل معادلة المؤسسات، بل بدا وكأنه التزام سياسي خارج أولويّات السيادة. فالعدو تلقف الخطوة فوراً باعتبارها تنازلًا مجانياً، ورفع عليها البناء للمطالبة بنزع السلاح كشرط لوقف العدوان. وهكذا تحولت لحظة يفترض أن تكون لبنانية سيادية إلى “هديّة سياسية” لعدو يتربص بالبلد. هنا جوهر الخطيئة: ليس في نية بعض أصحاب القرار، بل في توقيت وخلفية وتفسير الخطوة، حيث استُخدمت كرافعة ضغط تخدم مصالح العدو لا مصالح لبنان.
من هنا، يصبح كل حديث عن “مكاسب تفاوضية” مع العدو مجرّد فخ آخر يحاول أن يُعيد إنتاج اللحظة نفسها: يريدون لبنان مذعناً، يريدون لبنان بلا مخالب، ويريدون لبنان بلا قدرة على قول “لا”.
المقاومة إذ تُثبّت هذه المعادلة، لا تُخاطب جمهورها فقط، بل كل لبناني يريد بقاء وطنه في وجه مشروع عنيف، وقح، يتسلّح باللغط الدولي والغطاء الأميركي، ويعرف جيداً أن القوة الوحيدة التي كسرت كلمته بالسابق… هي هذه المقاومة.
في النهاية أطماع العدو في أرضنا وثرواتنا ليست كلامًا فارغًا، بل مشروع واضح تُترجمه خرائط استغلال ومواقف دبلوماسية وتنسيق إقليمي. أمام هذا المشروع، لا تنفع لغة التدرّج ولا التخفيف: المطلوب ردّ وطني حاسم ورادع — سياسياً وقانونياً ودبلوماسياً وأمنيًا — يقطع دابر الابتزاز ويعيد فرض قواعد السيادة. أي حديث عن تفاوض يُبدأ بتقديم تنازلات أو اعترافات قبل التوقف الفعلي للخروقات، هو طوق خلاص للعدو وليس خلاصًا للوطن؛ لغة التفاوض في هذه الظروف تتحوّل الى لعبٍ في مصلحة من يريد تقويض لبنان. على القوى الوطنية أن تختار: حماية الأرض والثروة وسيادة القرار، أو الوقوف مع من سهّل للطامعين مدخلهم إلى خيراتنا وموقعنا. التاريخ سيحاسب.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :