كتب ناجي أمّهز
في البداية، لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لكل من وقف إلى جانب النازحين والمُهجّرين، ولكل من قدّم شربة ماء أو سلة طعام أو حبة دواء، ولكل من سعى جاهدًا للتخفيف من آلام الحرب وويلاتها. الشكر موصول للشعب اللبناني بأسره، خاصة أولئك الذين ظنّ الشيعة أنهم خصوم لهم. هؤلاء أظهروا وجهًا آخر من المحبة والكرم، فكانوا الحاضنة التي لم تُفرق بين أبناء الوطن.
كما أنني أخص بالشكر الدول الإسلامية والعربية والغربية التي مدت يد العون عبر المساعدات الإنسانية، رغم أن كثيرًا منها كان له موقف سياسي من المقاومة، إلا أن هذا لم يمنعها من أداء واجبها الأخلاقي تجاه المتضررين.
ما بين النصر والخسارة
اليوم، يجلس البعض ليقول إن الشيعة انتصروا، بينما يقول آخرون إنهم خسروا. الحقيقة، كعادتها، ليست أبيض أو أسود. المقاومة، رغم جراحها الغائرة وخسائرها المؤلمة، استطاعت أن تصمد أمام آلة الحرب الإسرائيلية التي سعت بكل قوتها لسحق إرادتها.
المقاومة لم تفارق الميدان ورفع شبابها قبضاتهم حتى المبتورة منهم بعلامات النصر، ومنهم من استشهد رافضا ان يغادر موقعه ان كان فوق الارض او تحت ترابها، المهم ان تنبت ارض الجنوب شقائق النعمان، وان ياتي الربيع حيث يلعب الاطفال بارض مستقلة وسيادة ناجزة وحكايات عن ابطال الانسانية من اجل اطفال ونساء فلسطين.
لكن هل يُمكننا إغفال الثمن الباهظ؟ لقد فقدت الطائفة الشيعية رموزًا وقادة كان لهم أثر عظيم في مسيرتها، وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله، الذي يعتبر خسارته خسارة ليست فقط للشيعة بل لكل من يؤمن بالعدالة والحرية.
ومع ذلك، كما قال اليهود أن صلب المسيح يُنهِ المسيحية، اذا به يجعلها قوة عالمية، وكذلك أتباع السيد حسن نصرالله، بما يمثلونه من ثبات وإيمان، سيواصلون المسيرة ليصبحوا أمّة تصنع التاريخ.
التحديات في أفق الصراع
المشهد اليوم يختلف جذريًا عن عام 2006. إسرائيل لم تعد تعتمد فقط على السلاح التقليدي، بل باتت تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُغيّر قواعد اللعبة. الدعم الأمريكي لإسرائيل بلغ مستويات لم يسبق لها مثيل، من خلال اتفاقيات دفاع مشترك واعلانه انه سيكون الحاكم والحكم والمراقب تُمهيّدا لتدخل عسكري مباشر إذا لزم الأمر.
هناك عامل يجب أن ننتبه له، لأن القادم سيكون أخطر بكثير إذا لم ندركه، وهو أن التجربة الأمريكية في أفغانستان وكافة الأسلحة التي تم استخدامها ضد طالبان تم نقلها إلى تل أبيب. وهذه الأسلحة الفتاكة هي التي قلبت المعادلة في الحرب على المقاومة في لبنان.
المقاومة تدرك أن المتغيرات الإقليمية أصبحت أكثر تعقيدًا. سوريا التي كانت حليفًا قويًا في السابق، أصبحت منهكة من أزمتها الداخلية، والدعم العربي تقلص بشكل كبير، كما ان حلفاء لبنان في الغرب كايام جاك شيراك وغيره تكبلهم اليوم الحرب في اوكرانيا. في المقابل، يحاول الإعلام العالمي المعادي أن يُصور المقاومة كتهديد عالمي بدلاً من كونها حركة تحرر مشروعة.
لذلك، نحن اليوم أمام ظروف مختلفة تمامًا عما كانت عليه عام 2006. وإذا لم يتم الاستفادة من الوقت ومن النخب لصناعة متغير شيعي حقيقي، وإذا حدثت فوضى شيعية في السياسة والإعلام، قد لا تصمد هذه الهدنة الستون يومًا، بل ستضرب العاصفة مرة أخرى ولكن بضراوة لا مثيل لها، خاصة أن أمريكا ستشارك بطريقة مباشرة، في عصر ترامب الذي يعتبر نفسه رئيس إسرائيل كما هو رئيس أمريكا.
الحكمة في المفاوضات
وسط هذا المشهد، جاء قرار امين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم بوقف الحرب ليكون علامة فارقة في مسار المقاومة. البعض قد يراه تنازلًا، لكنه في جوهره كان انتصارًا للعقلانية والمسؤولية على العاطفة. القيادة الحكيمة أظهرت أن التراجع في الوقت المناسب يمكن أن يحمي المقاومة وشعبها من خسائر فادحة كانت ستُنهك الجميع.
المستقبل: أفق واستراتيجيات
ما تحتاجه المقاومة اليوم هو قراءة واعية للواقع الجديد. لا يكفي السلاح وحده، بل تحتاج إلى بناء إستراتيجيات شاملة تتضمن:
المرونة والتكيف: مواجهة التطورات التكنولوجية والسياسية بعقلية منفتحة وحلول مبتكرة.
تعزيز الوحدة الوطنية: العمل على رأب الصدع الداخلي وتقوية الحاضنة الشعبية التي أثبتت وطنيتها رغم الاختلافات السياسية والظروف الصعبة.
إعلام متزن: صياغة خطاب إعلامي عقلاني يحترم العقول ويبتعد عن الاستفزاز، مع التركيز على بناء صورة إيجابية للمقاومة عالميًا.
المقاومة فكرة لا تموت
المقاومة ليست مجرد بنادق ومقاتلين؛ هي فكرة راسخة في الوجدان. وكما أثبت التاريخ، الأفكار التي تقوم على الحق والعدالة لا تموت، بل تزداد قوة مع مرور الزمن.
قد يكون الطريق شاقًا، وقد تبدو التحديات أكبر من طاقة البشر، لكن الإيمان بالقضية هو البوصلة التي لن تضل الطريق.
نسخ الرابط :