اعترف قادة العدو بأنّ جيش الاحتلال يخوض قتالاً ضارياً ويدفع ثمناً باهظاً، لكنهم يطالبون الصهاينة بتحمّل هذه الكلفة والصبر وانّ عليهم التعايش مع حرب طويلة وخسائر كبيرة.. على انّ هذا الاعتراف الذي جاء على لسان رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يواف غالات، وعضو مجلس الحرب بني غانتس، لم يكن مفاجئاً للمراقبين والخبراء العسكريين والمحللين، ولا لجنرالات العدو السابقين ونظرائهم الأميركيين، الذين حذروا من التورّط في رمال غزة ومواجهة حرب عصابات تستخدم فيها المقاومة الكمائن والقذائف المضادة للدروع والعبوات الناسفة والمسيّرات المفخخة وشبكة الأنفاق إلى جانب القتال من بيت إلى بيت وحرب شوارع مما سيؤدّي إلى تكبّد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة بالارواح والمعدات…
ومع ذلك فإنّ واشنطن دفعت قادة كيان الاحتلال الى القيام باجتياح بري، لأنهم طرحوا أهدافاً لعدوانهم لا يمكن تحقيقها إلا بالدخول إلى قطاع غزة لمحاولة تدمير قدرات المقاومة، وفرض الاستسلام عليها وتحرير الأسرى الصهاينة من دون شروط، ووصل الأمر بهم حدّ الحديث عن سيناريوات ما بعد النجاح في ذلك ومنها محاولة تكرار نتائج حصار بيروت عام 1982، وكيفية إدارة قطاع غزة بعد إخراج قوات المقاومة الفلسطينية منه، وهو ما كشفت عنه الصحف الاسرائيلية.. وهي كلها أحلام إسرائيلية أميركية، لأنّ تحقيقها يتطلب أولاً تحقيق هدفهم المستحيل وهو القضاء على المقاومة..
إذا كانت هذه هي الأهداف الإسرائيلية وما يسعى ويحلم به المسؤولون الأميركيون والاسرائيليون.. فهل بالإمكان تحقيقها؟
الواضح أنّ المقاومة الفلسطينية أثبتت انها تطوّرت كثيراً عما كانت عليه سابقاً، وذلك من حيث القدرات والخبرات القتالية والبنية العسكرية والتسليحية والجاهزية والاستعداد لخوض القتال الطويل النفس، ومن حيث، وهذا المهمّ، استعدادها جيداً لتحقيق نصر جيد يشكل محطة مفصلية في الصراع على طريق تحرير فلسطين، وما يشهده ميدان القتال وقبل ذلك عملية طوفان الأقصى يؤكد ذلك.. حيث برهنت المقاومة، كما هو واضح، بعد 4 أسابيع من العدوان الغاشم غير المسبوق بوحشيته وإجرامه ضدّ المدنيين، على ما يلي:
أولاً، النجاح في ترجمة ما وعدت به المقاومة جيش الاحتلال من تحويل دخوله إلى غزة إلى مقبرة لدباباته ومدرّعاته وجنوده، وهو ما أشر اليه حجم الخسائر الكبيرة التي وقعت في صفوف قوات النخبة في جيش الاحتلال… الذي اعترف، حتى تاريخه، بمقتل 25 جندياً بينهم أربعة ضابط، وإصابة 260 آخرين منذ بدء الهجوم البري، من دون أن يكشف عن حجم خسائره على الجبهة الشمالية مع لبنان، لكن إذا ما دققنا في بيانات المقاومة وتأكيدها بأنه تمّ تدمير أكثر من كتيبة دبابات، بالإضافة إلى المدرّعات التي تمّ تدميرها أيضاً، وتصريحات قادة العدو عن الثمن المؤلم الذي يدفعه جيشهم، يمكن القول انّ أرقام القتلى والجرحى أكبر بكثير، ويجري الإفصاح التدريجي عنهم حتى لا تحصل صدمة كبيرة في أوساط الرأي العام الإسرائيلي وتؤدّي إلى ردود فعل في الشارع تطالب بوقف الهجوم البري…
ثانياً، برهنت قيادة المقاومة عن قدرة عالية ونجاح في إدارة المعركة واستمرار امتلاكها زمام المبادرة في مواجهة العدوان الجوي والبري والبحري، بكفاءة عالية، وهو ما تجلى بما يلي:
1 ـ الحفاظ على قدراتها العسكرية وبنيتها القتالية، من خلال الاستعداد والجاهزية والتدريب المسبق على مواجهة حرب صهيونية بهذه القوة التدميرية، وبالتالي بناء التحصينات ولا سيما الأنفاق التي تؤمّن حماية قدرات المقاومة وبنيتها من القصف، واستخدامها كوسيلة للقتال ضدّ قوات الاحتلال عندما تتوغل في غزة، وبالتالي نصب الكمائن لها وشنّ الهجمات خلف خطوطها، وإيقاع الخسائر الجسيمة فيها…
2 ـ النجاح في إنتاج اسلحة قادرة على تدمير دبابات ومدرّعات العدو الحصينة التصفيح والتدريع، مثل القذائف المضادة للدروع 105 الترادفية، والعبوات الناسفة، والمُسيّرات على اختلاف انواعها إلخ… من الوسائل القتالية التي طوّرتها باعتبارها أساليب المقاومة الشعبية المسلحة التي لجأت إليها تجارب ثورات الشعوب التي خاضت حروب العصابات وحرب الشوارع وحرب التحرير الشعبية في مواجهة جيوش الاحتلال وآلتها الحربية المتطورة والمدمرة.. حيث أثبتت المقاومة في غزة قدرة عالية في استخدام هذه الأسلحة بكفاءة ومهارة وجرأة وشجاعة في خوض القتال والاشتباك مع قوات العدو من مسافة صفر، وهو ما لمسناه وشاهدناه، مما مكّنها من إيقاع جيش العدو في فخاخ المقاومة واستنزافه على نحو غير مسبوق.
3 ـ التفوّق على العدو في إدارة الحرب النفسية والتي أسهمت فيديوات المقاومة والصور التي نشرتها في كشف زيف ادّعاءات العدو عن إنجازات حققها، وإماطة اللثام عن حجم الخسائر في صفوف جنوده وآلياته العسكرية، التي يعمد العدو إلى إخفاء جزء كبير منها، وبالتالي إضعاف المزيد من معنويات جنوده ومجتمعه، ورفع معنويات الشعب الفلسطيني ومقاوميه وزيادة تقتهم بالقدرة على الحفاظ على انتصار 7 تشرين الأول، وتحقيق نصر جديد لا يقلّ أهمية.
4 ـ نجاح المقاومة بمواصلة إطلاق الصواريخ على مستوطنات ومدن الاحتلال في الجنوب وعمق فلسطين المحتلة، رداً على المجازر الصهيونية ضدّ المدنيين، التي يواصل العدو ارتكابها انتقاماً لفشله في الميدان وعجزه عن تحقيق صورة نصر..
ثالثاً، فشل جيش الاحتلال في تحقيق أيّ إنجاز عسكري في مواجهة المقاومة رغم مرور 28 يوماً على شنّ عدوانه على قطاع غزة واستخدامه آلاف أطنان القنابل والصواريخ في قصفه، بما يعادل زنة قنبلتين نوويتين من القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.. حتى أنه لم ينجح في إضعاف قدرات المقاومة أو وقف إطلاق صواريخها.. في حين أنّ قلق عائلات الأسرى الصهاينة آخذ بالارتفاع نتيجة شعورهم بازدياد الخطر عليهم وعدم جدوى الهجوم البري.
رابعاً، انقلاب الصورة في العالم على نحو بات يزيد شيئاً فشيئاً في عزلة إسرائيل ويحاصر الموقف الأميركي، نتيجة تصاعد الاحتجاجات الشعبية في معظم دول العالم ضدّ المجازر الصهيونية وتضامناً مع نضال الشعب الفلسطيني، وبالتالي سيادة مناخ لدى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنّ الوقت الذي أعطي لحكومة الحرب الصهيونية أخذ ينفذ ولم يعد يعمل لمصلحة واشنطن وإسرائيل في الاستمرار بالعدوان، وهو ما عكسته محطة cnn الأميركية التي نقلت عن مصادر مطلعة في واشنطن قولها، إنّ الرئيس بايدن ووزيري خارجيته ودفاعه باتوا يرون أنّ الغضب العالمي يزداد والردع الإسرائيلي يتآكل…
فهل دنت ساعة قيام واشنطن على مساعدة حكومة نتنياهو بالنزول من أعلى الشجرة بعد أن ساعدتها على الصعود إليها وقادت معها شنّ العدوان على غزة وتبنّت روايتها الكاذبة، وحاولت إظهار إسرائيل بصورة الضحية التي تدافع عن نفسها، وتكشفت الآن صورتها الحقيقية المتوحشة القائمة على قتل الأطفال والنساء وقصف المستشفيات والمدارس، والتي كان آخرها بالأمس إقدام العدو على تنفيذ تهديده باستهداف مستشفيات الشفاء والأندونيسي والقدس، وكذلك استهداف سيارات الإسعاف.. بعد استمرار توارد التقارير التي تؤكد فشل جيش الاحتلال في تحقيق أيّ تقدّم حقيقي في هجومه البري، وتكبّده المزيد من القتلى والجرحى في صفوفه…
نسخ الرابط :