رغم أنّ التعامل الرسميّ، وربما الشعبيّ أيضًا، مع الانتخابات النيابية المرتقبة في منتصف أيار المقبل، لا يزال متركّزًا في "مسافة أمان" تفترضها السلطة، المطمئنّة لحدّ "اليقين" إلى أنّ الاستحقاق المقبل سيعطيها فرصة لتعيد "إنتاج" نفسها بشكل أو بآخر، فإنّ الطريق نحو هذا اليوم "الموعود" تبدو حافلة بالمفاجآت، التي تخالف الكثير من التوقّعات.
فقبل فتح باب الترشيح لهذه الانتخابات، ومع الإقبال "الخجول" في الأيام الأولى، قيل إنّ الشعب غير مكترث ولا متحمّس للاستحقاق، وإنّ نسبة "الطامحين" قد تكون في حدّها الأدنى، فإذا بالرقم "القياسي" للمرشحين، في مختلف الدوائر، "يدحض" كلّ الفرضيّات والسيناريوهات، ويؤكد وجود رغبة بالتغيير، عبر ضخّ دمٍ جديد، ولو بدت "بلا أفق".
بعد ذلك، كان "الرهان" على "شرط" الانضواء في اللوائح، لإعادة الأمور إلى نصابها "المفترض"، وصبّت كلّ التوقعات على أنّ أغلبية المرشحين ستخرج تلقائيًا من السباق، لعجزهم عن الدخول في ائتلافات تنسجم مع المرحلة الحالية، فإذا بالرقم "القياسي" لعدد اللوائح التي سُجّلت رسميًا يفاجئ الجميع مرّة أخرى، ولو تفاوتت "قراءته" في السياسة.
اليوم، ثمّة من يسأل عمّا إذا كانت "المفاجآت" ستواصل طريقها حتى يوم الانتخابات، سواء على مستوى نسبة المشاركة، التي لا يزال كثيرون يتوقّعون أن تكون في أدنى مستوياتها "التاريخية" ربما، أو حتّى على مستوى النتائج، التي تبدو قوى السلطة، بمختلف "فروعها"، موالاة ومعارضة، إن جاز التصنيف، أكثر من "مرتاحة" إزاءها، بعيدًا عن "المراهنات".
قد لا تكون الإجابة "اليقينية" على مثل هذه الأسئلة من الآن ممكنة في الوقت الحالي، باعتبار أنّ التجربة أثبتت أنّ "الظروف" هي التي "تحكم" في نهاية المطاف، وبالتالي فإنّ مدّة الأربعين يومًا الفاصلة عن موعد الانتخابات قد تكون "مفصلية" على هذا المستوى، فإما تزيد "حماس" الرأي العام، وترفع نسبة الاقتراع، وإما تهبط بها إلى "القاع"، وربما ما دونه، علمًا أنّ "تكتيكات" الحشد والتعبئة قد يكون لها دورها على هذا الصعيد في القادم من الأيام.
أما الشيء الأكيد والثابت الوحيد بانتظار تبلور صورة هذه الظروف، فيكمن في "استحالة" إسقاط نسبة المرشّحين واللوائح على نسبة الاقتراع، إذ إنّ ارتفاع عدد المرشحين، وإن عكس في حيّز كبير منه وجود إرادة فعليّة بالتغيير لدى شريحة واسعة من الناس، إلا أنّه لا يعني بالضرورة ارتفاع عدد المصوّتين بالمُطلَق، خصوصًا إذا كان الكثير من المرشحين يدورون في حلقة واحدة، ما يعزّز أساسًا فرضيّة "تشتّت" الناخب، ويحبط من "عزيمته" في الكثير من ذلك.
أضف إلى ما سبق وجود نظرية يزيد "المتحمّسون" لها، وتقوم على أنّ "المقاطعة" قد تكون أفضل من التصويت بورقة بيضاء، باعتبار أنّ الأخيرة ستكون بمثابة "شيك على بياض" لقوى السلطة، لكونها تدخل في احتساب الحاصل الانتخابي، ما يؤدّي إلى رفعه، ويصعّب أكثر على قوى "التغيير"، المهمّة الصعبة الملقاة على عاتقها لتحقيق "الخرق"، والتي يرى كثيرون أنّها "عقّدتها" على نفسها، بانقسامها على لوائح متقاربة متباعدة، ما زاد "النفور" منها.
يبقى أنّ ما لفت الانتباه أكثر في تشكيلات اللوائح، وقد تكون له دلالاته ومؤشراته أيضًا، يكمن في "التفاوت" بعدد اللوائح وتركيبتها وتشكيلتها نسبةً إلى الدوائر، حيث، وعلى عكس ما كان متوقَّعًا أيضًا، احتلّت المناطق ذات النفوذ السنّي، حيث تمّ رفع لواء "المقاطعة"، بعد عزوف شخصيات أساسية من وزن رئيسي الحكومة السابق سعد الحريري والحالي نجيب ميقاتي، في مقابل "شحّ" مُبالَغ به في المناطق ذات النفوذ الشيعي على سبيل المثال.
ويُلاحَظ في هذا السياق أنّ العدد الأكبر من اللوائح سُجّل في دائرتي الشمال الثانية وبيروت الثانية، حيث وصل العدد في الأولى إلى 11، وفي الثانية إلى 10، وهو ما عزاه كثيرون أساسًا إلى غياب القوى الأساسيّة، ولا سيما تيار "المستقبل"، ما فتح "شهيّة" المرشحين الآخرين، وخصوصًا من رافعي لواء "التغيير"، ممّن اعتقدوا أنّ الفرصة التي قد تكون مُتاحة لهم في هذا الاستحقاق، "لا تُعوَّض"، وإن كان البعض يعتقد عدم اتحادهم "خطيئة" لا تغتفر بالمقابل.
وما يعزّز وجهة النظر هذه يتمثّل في "شحّ" اللوائح في المقابل في الدوائر المحسوبة على الثنائي الشيعي، أو المناطق التي "يهيمن" عليها، ولا سيما في الجنوب، حيث لم يتجاوز عدد اللوائح فيها عدد أصابع اليد الواحدة، على غرار دائرة الجنوب الثالثة التي كانت الوحيدة على مستوى لبنان التي سجّلت تراجعًا في نسبة اللوائح من ستّ إلى ثلاث، وكذلك في دائرة الجنوب الثانية حيث اقتصر عدد اللوائح على أربع فقط لا غير.
وإذا كان البعض أثنى على هذا الأمر، باعتبار أنّ "توحيد" لوائح المعارضة في هذه المناطق "شبه المقفلة" قد يكون مفيدًا، أكثر من خوض معركة "خاسرة" حتمًا بلوائح متعدّدة، فإنّ هناك من قرأ في الأمر تأكيدًا على "سلطة الأمر الواقع" في هذه المناطق، حيث لا "يتجرّأ" المعارضون على خوض "النزال"، علمًا أنّ بعض المرشحين اشتكوا صراحةً من مناخ غير آمن ولا سليم، وعن تهديدات تلقّوها من بعض المحازبين.
هكذا، يبدو أنّ الأرقام تتكلّم، فلكلّ رقم سجّل في مرحلة الترشيحات دلالاته ومعانيه، إلا أنّ حدوده قد تبقى "مضبوطة" بانتظار "اكتمال" الصورة، فالانتخابات المرتقبة، التي تُعَدّ الأولى منذ حراك 2019، وما تلاه من أزمات "وجودية" بالجملة، قد لا تكون "مضمونة" فعلاً كما يخال كثيرون، ولو كان رفع السقف إلى حدّ اعتبارها "نهاية الطريق" في غير مكانه أيضًا، بالنظر إلى الظروف الموضوعية المحيطة!.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :