ايهاب زكي
هذا عارٌ مركب، أن نستسلم لفكرة وجود حزب الله في قفص الاتهام، ثم نشرع بالدفاع عنه كمتهمٍ، بينما العملاء والإمَّعات واللصوص يتربعون على المنصة، فهؤلاء لا يمتلكون شرف الخصومة، فضلاً عن امتلاكهم كثيباً مهيلاً من الجهالات والسخافات والأحقاد.
يتهمون حزب الله مثلاً بأنّه ذراعٌ إيرانيةٍ لاحتلال لبنان، وأنّه حزبٌ إيراني لا لبناني، ولكن ماذا لو افترضنا جدلاً، أنّ نظام الشاه عاد للحكم في إيران؟ أو أنّ ما تُسمى"منظمة مجاهدي خلق" (منافقي خلق) استولت على السلطة، مَن أول من سيعلن عداءه لإيران في لبنان؟ ومن أول من سيعلن عن إيرانيته؟ وهذه بالقطع أسئلة تمتاز ببداهة الإجابات، ولكن من باب توضيح البداهات، باعتبارنا في عصر العمى السياسي والثقافي والأخلاقي، فإنّ حزب الله أول من سيعلن العداء، ومن ينعقون بالاحتلال الإيراني للبنان، هم أول من سيعلن الولاء للاحتلال الإيراني.
إذاً العداء لحزب الله أو لإيران، ليس قائماً على منطلقاتٍ وطنية أو سيادية، بل على رغبات تبعية ومصالح شخصية وطبائع انقيادية، وهذا على العكس تماماً من منطلقات الحزب، التي في أعلى هرمها المصالح الوطنية والأسس السيادية.
كما يقول ابن الجوزي في اللطائف، إنّ "أكتَبَ الأقلام الأسنّة"، وأسنّة حزب الله لم تتوقف يوماً عن الكتابة، وهي تمتاز بعنفوان البلاغة، وهذه الأسنّة هي القاضي، وهي من تمنح البراءات، حيث لم يسجل التاريخ في أقدس أقداسه، إلّا من دافع عن أرضه وقاوم في سبيل قضية، ودفع الدّم لحماية أرضه وعرضه، فالتاريخ لا يتمتع بحسّ الدعابة، حدّ أن يجعلنا نستسيغ محاكمة الشاه للإمام الخميني، أو محاكمة الملك فاروق للزعيم ناصر.
إنّ الانتخابات النيابية في لبنان، والمزمع إجراؤها الشهر القادم، ليست شأناً محلياً، حيث إنّها تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الصراع القائم حول العالم، صراع عالم القطب الواحد مع عالم الأقطاب المتعددة، وتعتبر الولايات المتحدة أنّ الأسنّة في لبنان، هي إحدى الركائز العظمى في استراتيجية غلّ يدها، وأنّ كيانها الوظيفي في فلسطين المحتلة، بات في حالةٍ لا تمكنه من لعب الدور العدواني المنوط به بالشكل الأمثل.
وهذا العجز الذي أصبح ينخر في نخاع الكيان المؤقت، بحاجةٍ لأدواتٍ غير خشنة لمحاصرته، حيث يُعتبر اللجوء للخشونة "الإسرائيلية" في مواجهة حزب الله، مغامرة قد تفضي لإزالة هذا الكيان المؤقت من الوجود، وعليه كان التعويل على ما تسمي بمنظمات المجتمع المدني، ومخلفات الأحزاب والتشكيلات السياسية، كما بقايا المنصات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية، هي الخيار الاضطراري، رغم فعاليته المحدودة حيناً والمنعدمة أحياناً، في قدرته على التأثير في البيئة الحاضنة للحزب.
ليس من السهل الجزم بأنّ الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة، لن تعمل على محاولة تأجيل العملية الانتخابية، ولكن من السهل الجزم بأنّه لا حرب أهلية في لبنان، كما يسهل الجزم بعدم هزيمة حزب الله وحلفائه في الانتخابات، ولكن ما خيارات الولايات المتحدة في حال قررت تعطيل الانتخابات وتأجيلها، خصوصًا إذا أخذت أمريكا بعين الاعتبار، تلويح حزب الله بخوض معركة تقليص النفوذ الأمريكي في لبنان، وذلك على لسان رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، السيد هاشم صفي الدين، حين قال "حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب، سيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر".
وهنا من الصعب على الولايات المتحدة ألّا تعتبر الانتخابات النيابية خطوة للحزب في طريق إعلان الحرب على النفوذ الأمريكي في لبنان، حتى لو لم تكن ضمن برنامج الحزب الانتخابي، لذلك يبدو أنّ الأرجح أن يكون خيار الولايات المتحدة هو العمل على تعزيز نفوذها في أجهزة الدولة اللبنانية، بغض النظر عن نتائج الانتخابات المحسومة سلفاً، حتى بالنسبة لأدواتها، حيث بدأوا في تبرير الهزيمة حتى قبل حدوثها، من خلال التصويب على قانون الانتخابات، الذي اعتبره البعض، إحدى أدوات الحزب لتعزيز سيطرته على الدولة، فيما اعتبره آخرون، أداة إيرانية لتكريس الاحتلال الإيراني للبنان.
وفي الخلاصة إنّ مشروعية حزب الله في أسنّته، وهي علة وجوده، وهي التي تحمي لبنان وهي من تجعل الانتخابات طقساً دورياً، فحين طرق الكيان المؤقت أبواب لبنان، لم يجد غير تلك الأسنّة رادعاً، وحين طرقت داعش والنصرة والإرهاب المنفلت أبوابه، لم يجد غير تلك الأسنّة سداً منيعاً، بينما لا تستطيع الأحزاب الأخرى أن تشرح للبنانيين علة وجودها، بعيداً عن العصبية والطائفية.
ولكن هذا لا يعني أنّ الحزب ليس معنياً بالخدمات المعيشية والقانونية والاجتماعية، التي يتطلبها وجوده في المجلس النيابي، إنما يعني أنك إذا أردت وضع الأسنّة في قفص الاتهام، عليك أن تكون أكثر بلاغةً وأكثر حدّة، فلا يمكن لعصيّ المكانس محاكمة الأسنّة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :