أما وزارة التربية، فهي لا تستطيع أن تبقى على هامش هذه العملية، إذ أن إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم هو تحول استراتيجي يمس العدالة التربوية على المستوى الوطني.
من واجب الوزارة أن تضع معايير ملزمة لكل الشركات التي تقدم خدماتها للمدارس، وأن تفرض على هذه الشركات تقديم مستندات رسمية تشرح خوارزمياتها بطريقة مبسطة وشفافة. كما يجب أن تتبنى الوزارة سياسة وطنية واضحة تحدد أهداف استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، هل الهدف منه هو دعم عملية التدريس أم إدارة البيانات المدرسية، أم تحسين طرق التقييم والمتابعة؟ وضوح الهدف يمنع التضارب والفوضى ويحول دون أن تتحول التقنية إلى مجرد أداة دعائية.
كذلك، على الوزارة أن توفر منصات مراجعة مستقلة، ربما من خلال التعاون مع الجامعات أو المراكز البحثية اللبنانية، للتدقيق في الأنظمة المقترحة وتقييم مدى التزامها بالعدالة وحماية البيانات. ولا بد للوزارة أيضاً أن تحدد آلية اعتراض متاحة للأهالي والمعلمين في حال ظهور خلل أو ظلم في نتائج الأنظمة.
أما وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي، فدورها محوري على مستوى التشريع والحوكمة. فهي الجهة المخوّلة وضع قواعد أخلاقية وطنية لاستخدام الخوارزميات في التعليم، وتحديث هذه القواعد بشكل دوري بما يتماشى مع التطور العالمي.
من مسؤولية وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي ايضا، أن تفرض التزاماً بالقانون اللبناني لحماية البيانات الشخصية، القانون 81/2018، وأن تستلهم من المعايير الدولية مثل اللائحة الأوروبية لحماية البيانات GDPR لضمان أعلى مستوى من الحماية. كما يقع على عاتقها إنشاء آلية تدقيق وطنية دورية، تسمح لخبراء مستقلين من الداخل والخارج بمراجعة عمل المنصات المعتمدة في المدارس اللبنانية.
كما لا يقتصر دور وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي على الرقابة، بل يتعداه إلى بناء القدرات الوطنية عبر تنظيم برامج تدريبية للمعلمين ومديري المدارس حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، وعبر تشجيع تطوير منصات محلية تراعي خصوصية البيئة اللبنانية وتنافس المنتجات الأجنبية. كما أن الوزارة مطالبة بإنشاء سجل وطني للأنظمة الذكية المعتمدة في التعليم، بحيث تكون كل منصة مستخدمة في أي مدرسة لبنانية مسجلة وموصوفة بشكل واضح، بما يمنع إدخال أنظمة مجهولة أو غير معتمدة.
ولكي تتحقق هذه الرؤية على أرض الواقع، لا بد من اعتماد مجموعة خطوات عملية مشتركة. تبدأ هذه الخطوات بتنويع مصادر البيانات المستخدمة في تدريب الخوارزميات بحيث تشمل مدارس رسمية وخاصة، ومناطق في المدن وفي الريف، وبيئات اجتماعية مختلفة، وذلك لتفادي الانحياز البنيوي. وتشمل أيضاً مراجعة دقيقة لجودة البيانات المستخدمة، واعتماد اختبارات إحصائية متكررة لقياس مدى العدالة في النتائج بين مجموعات الطلاب المختلفة من حيث المناطق أو الطوائف أو الخلفيات الاجتماعية.
كذلك يجب أن تُعلن بوضوح المعايير التي تقيسها الخوارزميات، بحيث لا تبقى غامضة أو مستترة، وأن يُتاح للأهالي والطلاب والمعلمين فهم الأسس التي بنيت عليها التقييمات مع حق الاعتراض عليها إذا شعروا بالظلم. ومن المهم كذلك أن تطلب المدارس والشركات على حد سواء مراجعات خارجية مستقلة من قبل خبراء تربويين وتقنيين، وأن يلتزم الجميع بالتحديث المستمر للأنظمة لتفادي تراكم الأخطاء أو الانحيازات بمرور الوقت.
هكذا يتضح أن ضمان حياد وأخلاقية الذكاء الاصطناعي في التعليم ليس مهمة تقنية بحتة ولا مجرد قرار إداري، بل هو إطار متكامل يشمل المدرسة ومعلميها، ووزارة التربية بصفتها المرجع الوطني في السياسات التربوية، ووزارة الدولة للذكاء الاصطناعي كحارس للشفافية والمساءلة. عندها فقط يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحول إلى قيمة مضافة حقيقية تعزز جودة التعليم في لبنان.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :