حين ينظر المرء إلى أبشع جرائم المستوطنين الصهاينة في الأراضي المحتلة لا يجدها تختلف عن وحشية جرائم قوات الاحتلال، فالمستوطن يكون قد خدم في جيش الاحتلال وتدرب على الوحشية أو أنه بانتظار خدمته في جيش الاحتلال ليعطي لنفسه الفرصة لارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين المدنيين العزل وهذا تماماً ما فعله المستوطن عميرام بن اوليئيل في عام 2015 عندما أحرق عائلة الدوابشة بكاملها وهي في داخل بيتها فقتل الوالدين وطفلاً يبلغ من العمر سنة ونصف، كما أحرقت النيران نسبة 60% من جسم طفل آخر نجا من الموت وهو في سن الخامسة، ولو لم يكشف الفلسطينيون من جيران عائلة الدوابشة الفاعل لما أجبرت قوات الاحتلال على اعتقاله في ذلك الوقت لكن القصة لا تنتهي هنا بل تتكرر الجريمة البشعة ما بعد “محاكمته” بغض النظر عن “الحكم” الذي صدر عليه لأنه لن يقضي مدة حكمه.
ففي 18 أيلول الجاري نشرت المجلة الإلكترونية «ميديل ايست مونيتور» أن مجموعة كبيرة من الحاخامات المنتمين لعدد من الأحزاب الصهيونية -وفي مقدمهم أكبر الحاخامات المتنفذين حاييم دروكمان- طالبت القضاء والسلطات بالإفراج عن المستوطن اوليئيل ودعت إلى جمع أكبر عدد من المحامين للمطالبة بإطلاق سراحه وشنت حملة تبرعات باسم هذا المجرم اوليئيل لهذا الغرض وكان أول المتبرعين والداعين إلى الإفراج عنه هو يائير نتنياهو ابن رئيس حكومة الاحتلال الذي صرح بذلك في «تويتر» وقال الحاخام دروكمان: “إن العدالة تقضي بالإفراج عن هذا المستوطن” وأيدته شخصيات “سياسية” من داخل “الكنيست” والأحزاب المشاركة بالحكومة، ولن يكون أبداً من المستغرب أن يحظى هذا المستوطن المجرم بالإفراج سواء عن طريق مسرحية “إعادة محاكمته” أو إصدار عفو عنه من رئيس الكيان الصهيوني فهذا هي العادة حين تلجأ “سلطات” الكيان إلى هذه الطرق لتشجيع المستوطنين على إرهاب الفلسطينيين بهدف إجبارهم على ترك بيوتهم ومزارعهم وحقولهم.
وتكشف الأرقام داخل الكيان الصهيوني نفسه أن الأشهر الخمسة الماضية من هذا العام 2020 وبموجب ما وثقه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «او سي إتش أي» شهدت 134 عملية إرهابية ارتكبها المستوطنون المسلحون ضد المدنيين الفلسطينيين تسببت بإصابة 63 فلسطينياً بجراح ومن بينهم 13 من الأطفال الصغار كما تسببت باقتلاع وتخريب 3700 شجرة وغرسة زراعية في حقول الفلسطينيين وبتدمير وحرق أكثر من 100 عربة للنقل ومعدات الزراعة.
والسؤال: كم هو عدد المستوطنين الذين ارتكبوا هذه العمليات الإجرامية الإرهابية وكم منهم جرت “محاكمته” وزجّه بالسجن؟
لا أحد بالطبع رغم أنه من السهولة معرفتهم لأن الفلسطينيين أبلغوا قوات الاحتلال عما جرى وزودوها بمعلومات عن أماكن وجودهم ولكن من دون جدوى. ويوماً تلو آخر تزداد هذه الجرائم الإرهابية لأن المستوطنين يدركون أن قوات الاحتلال لن تتعرض لكل من يرتكب هذه الأعمال الإجرامية لأنها تخفف العبء عن جنود الاحتلال وتجري من دون شك بالتنسيق بين الجانبين وهذا يدل على أن عمليات المستوطنين الإرهابية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تزيد كثيراً عن عمليات المقاومة التي يقوم بها الفلسطينيون ضد قوات الاحتلال، بينما لا يوجد مستوطن واحد في السجن أما عدد المعتقلين الفلسطينيين فيزيد على 4 آلاف لأن قوات الاحتلال تحاكم الطفل وأمه ووالده وتهدم بيته حين يقاوم قوات الاحتلال.
وهكذا يجسد المستوطنون ما يسمى بـ«التطبيع الوحشي» مع الفلسطينيين الذين يقيمون في قراهم وبيوتهم المجاورة للمستوطنات وخلال أكثر من خمسين عاماً على الاحتلال. ولهذا السبب يحرقون عائلة الدوابشة وأعداد كبيرة من البيوت ويعرضون العائلات للحرق أو الموت في مختلف القرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، أما قطاع غزة والمليونان من الفلسطينيين المحاصرين بين خرائب دماره فهو يشكل أسطع الأدلة على أكبر جريمة حرب إسرائيلية ممنهجة وظاهرة للعيان أمام العالم كله في كل يوم وساعة، ووثائق هذه الجرائم موجودة في وجوه آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين استهدفهم القناصة من جنود الاحتلال ليتحولوا إلى معوقين من دون ساقين أو بساق واحدة أو بعين واحدة إضافة إلى آلاف الشهداء من الأطفال والنساء والمسنين الذين استشهدوا بنيران القصف والقذائف الإسرائيلية.
فمنذ عام 1920 واحتلال الجيش البريطاني لفلسطين لفرض المشروع الصهيوني وهذا الشعب يدفع في كل يوم خلال قرن كامل ثمن انتمائه لوطنه وتمسكه بأرضه وتاريخه وهويته الوطنية والقومية مثلما دفعت معه الشعوب الشقيقة في سورية ومصر ولبنان والأردن ثمن دعمها واصطفافها إلى جانبه لحماية حقوقه ومستقبله.
تحسين الحلبي
كاتب من فلسطين
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :