الدنيا مقفلة. لا آفاق، لا شمس ولا قمر. حتى الثورة تبدو وكأنها "خمدت". فهل انتهت؟ هل نفد وقودها في أول الدرب؟ ثمة شعارات وخربشات مذيّلة بتوقيع الحزب الشيوعي وبعبارة: "كلن يعني كلن"، لا تزال تحت تمثال رياض الصلح. والى جانبها عبارة: "كلن يعني كلن والكتائب واحد منن". ثمة علامات إستفهام كثيرة تجول في البال، واحدة منها: "ليش الكتائب ممنوعة والشيوعي مسموح؟ هل رمت الكتائب في الحرب القنابل ورمى الشيوعي الورود؟ سؤالٌ طرحناه...
الناس مغلوب على أمرهم. وأمر الناس أصبح عسيراً. فهم يركضون على أمل اللحاق بالدولار. عبثاً. ما عادت السياسة تعني الكثيرين أقله في الظاهر. لكن، كلما التقى شيوعي وكتائبي إبتسم له الأول ورماه بنكتة سمجة: "كلن يعني كلن وإنت واحد منن". فعاد الثاني وقال له نكتة إعتبرها الأول بائخة: أنتم شيوعيون تنادون بالبروليتاريا وتصفقون لحزبٍ ديني عقائدي شمولي وتحالفتم مع الفلسطيني ضدّ اللبناني، وقتلتم، وتُصنفون أنفسكم في عداد المعارضة.
كلام بالفعل مشروع يُشرّع الباب على سؤال: هل تصنيف الشيوعي معارضة و"أحد آباء الثورة" والكتائبي مشروع موالاة ؟
خطوط حمر
أمين سرّ "خط أحمر" محمود الناطور أحد ثوار المرحلة. فهل له أن يضع خطاً أحمر على حزب ويستثني آخر؟ وهل لحزبٍ تاريخي كانت له ارتباطات وارتكابات أن يقول: "أنا خط أحمر" ويصدقونه في حين يقول حزب تاريخي آخر وله إرتكابات: "أنا خط أحمر" ولا يصدقونه؟ ثمة ما هو ليس مفهوماً ولا معلوماً. فهل لمحمود الناطور الإجابة؟ يجيب من الأول من تشرين ذاك الذي انتفض فيه من انتفض: "كان قوام الثورة أناساً غاضبين "زعلانين" ضد "السيستام" كله، وشيئاً فشيئاً بدأت تتأطر ضمن مجموعات سياسية صغيرة، لكل واحدة وجهة نظر. والثائرون من مختلف الفئات والملل والإنتماءات السابقة. وخطأنا هو إجراء "فحص دم" لكل واحد لكننا وصلنا الى مكان، أو بالأصح وصل بعضنا الى مكان، إكتشفنا فيه وجود أحزاب بالفعل منفصلة عن المنظومة الحالية لكن في تاريخها سلبيات وإرتكابات. وظهر مع الوقت إختلاف في مقاربة الموضوع وإزدواجية معايير. هناك مجموعات إنبثقت من الثورة مع حزب الكتائب، وهناك مجموعات مقرّبة من الشيوعي. والفارق بين المجموعتين أن الأولى التي تؤيد إلتحاق الكتائب بالثورة ليست رافضة لوجود الشيوعي، في حين أن المجموعة الثانية المؤيدة للشيوعي لديها رفض تام لوجود الكتائب. وهنا، نسأل، هل كان الشيوعي يوزع الورود في الحرب؟ الإزدواجية في الموضوع غير مفهومة، ربما هي بريئة وساذجة لدى البعض لكنها ليست كذلك لدى البعض الآخر".
لا للشيوعي
ما رأي سجعان قزي في الموضوع؟
جازمٌ حاسم كما عادته سجعان قزي في مقاربة المواضيع ويقول من الآخر "لا مكان للشيوعي لا في الثورة ولا في الدولة. إنه حزب بائد إنتهى في بلاد العالم مع ضمور الماركسية اللينينية والإشتراكية الدولية والإتحاد السوفياتي. ولا يمكن أن يكون هذا الحزب، مع إحترامنا لبعض قياداته، حركة إصلاحية" ويستطرد بالقول "أوروبا فعلت المستحيل لتتخلص من الشيوعية أما نحن في لبنان فنحييها ونعطيها صورة الحزب التغييري والإصلاحي. ونحن عالمون أن لا إصلاح مع الشيوعية، بغض النظر طبعاً عن فكر كارل ماركس الذي هو فكر إنساني".
سقطت الشيوعية في العالم فلماذا تنجح هنا؟ يقول قزي ذلك شارحاً: "حين كانت الشيوعية مزدهرة في العالم كان دورها ثانوياً هنا ولم تلعب دوراً إلا من خلال إلتحاقها بالمنظمات الفلسطينية. لذا لا صفة لها اليوم لتتحدث باسم الثورة والثوار وتطرح نفسها في التيار التغييري".
ماذا عن حزب الكتائب والتغيير؟ يجيب قزي "حزب الكتائب يبذل كل الجهد كي تقبل به مجموعات الثورة مع العلم أنه أحرى بمجموعات الثورة أن تبذل هي الجهد للإنضمام الى حزب الكتائب" ويستطرد : "لا يظنن أحد نفسه متقدماً على الآخر باعتباره أنه مقبول من الثورة وغيره لا، فالثورة إنتهت خلال 48 ساعة وكانت يوماً واحدا فقط هو في 22 تشرين الثاني 2019 حين نزل الشعب اللبناني على الأرض بعفوية وتلقائية. أما في اليوم الذي أصبحت فيه الثورة ثورات والحراك حركات ماتت". ويستغرب قزي "تكابر البعض على "أحزابنا" أي على "القوات اللبنانية" و"الكتائب" وهو لم يعط نقطة دم واحدة من أصبعه الصغير. نحن لدينا 10 آلاف شهيد. لكن، مشكلتنا أن أحزابنا قصّرت في الدفاع عن نفسها".
من يقرر؟
فلنسأل مرجع من "بيت أبي الشيوعي" وإن كان وجوده سابقاً فيه وانتهى. ما رأي بشير عصمت، الذي ولد في بيت شيوعي، وخال والدته كان أمين عام الحزب فرج الله الحلو، وانتسب إليه وها هو اليوم خارج هذا الحزب؟ يجيب "المسألة كما اراها اليوم هي بقاء البلد من عدمه. وكم يتمنى لو تتوحد كل القوى الكيانية كما حدث في باريس حين توحد الجميع ضدّ الإحتلال دفاعاً عن بلادهم. وهنا يقول: هل الإحتلال على الفرنسيين أشد إيلاماً من زوال الكيان على اللبنانيين؟ ويستطرد: ما نراه يدخل فيه تنافس شيّق أنا لست فيه. وأقدر أن أقول اليوم أن تجاذب كلمة الثورة أهلك الثورة. ومعه "العنتريات" والمواقف الإنتقائية التي تُصنف الناس ومن في الثورة ومن خارج الثورة. فمن هؤلاء الذين يقررون من يستحق أن يكون "ثورة" ومن لا يستحق؟ من يفعل ذلك يدمر الثورة ويهلكها. هناك أكثر من 400 مجموعة وكلها تدعي أنها "أم الثورة" في سعي لتقاسم الجبنة".
بشير عصمت "الشيوعي السابق الآدمي" يحاول أن ينظر أبعد من "الحرتقات" الداخلية وهو الذي يخاف كثيراً على الكيان اللبناني يقول "القصة الآن ليس من يُصنف ثورة ومن يُصنف خارجها بل من يؤمن بلبنان، ومن يبحث عن لبنان لا يُشبهنا. ويا ليت الجميع يبتعدون عن الأنانيات الذاتية. الكيان اليوم في خطر فما المانع أن تتلاقى المصالح الدولية اليوم على إعطاء لبنان "قطعة" الى سوريا؟ فمثلما "شقّفوه" البارحة قد يفعلون اليوم".
عصمت ينظر خارج الإناء الضيّق لكن، بالعودة الى "التكتيكات" اللبنانية الصغيرة، كيف ينظر الى اعتبار "الشيوعي" نفسه معارضة وثورة؟ وحين يقرأ في تاريخي الحزبين التاريخيين ماذا يجد؟ يجيب "هذا سؤال صعب. الكتائب والشيوعي نقيضان. صحيح سادت فترات هدوء بينهما، ففي زمن الإستقلال كان لهما نفس الموقف تقريباً. وفي زمن الإضطهاد الناصري للشيوعي كانت الكتائب متعاطفة. لكنهما إختلفا في زمن الشهابية وإن كانا قد أيّدا الإصلاحات الشهابية. أما نقاط الإختلاف الكبيرة فكانت كثيرة لا تعد ولا تحصى. لكن، تعاطف الحزبان مرات، بدون عشق وهيام طبعاًَ، ولا شيء يمنع تكرار ذلك. ويستطرد: في الشكل، ألاحظ أن الشيوعي يحاول أن يطمر رأسه في الرمال، كما النعامة، لإخفاء أشياء. إنه تكتيك يعتمده ويراه مفيداً اليوم في سبيل بلوغه الهدف. في المقابل، أرى أن سلوك الكتائب متقدم جداً الى حدّ القيام أحيانا ببعض المغامرات الفردية".
واضحٌ كلام الشيوعي السابق، لكن، حسب قراءته هل يجد الشيوعي أقرب من سواه الى الثورة والثوار؟ يجيب: "صراحة، أن يكون الشيوعي في قلب الحراك لهو أمر منطقي نظرا لالتصاقه التاريخي، ما قبل الحرب، في معاداة السلطة. وهو حين طمح لتبوّؤ المناصب السلطوية "شحطوه". ويستذكر هنا مقولة للقائد الشيوعي للحركة الوطنية اللبنانية محسن إبراهيم مضمونها: "لدينا يسار للتخريب ويمين للتركيب" دلالة الى أن اليمين ينجحون أكثر في إنشاء الحكومات واليسار ينجحون في مناداة الثورة".
كان يا مكان في قديم الزمان. الشيوعي أصبح ملحقاً ودخل دهاليز السياسة (وإن "شحطوه") كما دخل الإصطفافات والإرتكابات وما عاد يستحق حتى الإسم، وهو الذي قاد الحراك العمالي وفشل فشلاً ذريعاً.
كتائب، شيوعي، ثورة، معارضة... خطيئة "الحراك" أنه يلتهي بالقشور غافلاً أن أزمتنا اليوم ما عادت مع سلطة فاسدة بل مع سلطة في غيبوبة، في "كوما"، وهو ينتقي فلان ويحذف علتان. يحصل ذلك في الشكل "على الطبلية" لكن في المضمون هناك "سوسة" فيه تنخر وتفسد وحين "تنزرك" تهتف "كلن يعني كلن".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :