بقلم د. شادي مسعد
دخلت «لعبة» الاحصاءات حلبة الصراع الانتخابي في هذه المرحلة. وبصرف النظر عن استمرار الرهانات المرتبطة بامكانية تعطيل الانتخابات، بهدف تجنّب هذه الكأس المُرّة بالنسبة الى قسم كبير من القوى السياسية، تنشط في هذه الايام استطلاعات الرأي، التي تسعى من خلالها الاطراف المعنية الى تحقيق عدة امور، من أهمها ما يلي:
اولا- محاولة كل فريق معرفة حجمه الانتخابي الذاتي بعد التغييرات التي قد تكون طرأت منذ الانتخابات الماضية. خصوصا ان المشهد في البلد انقلب رأساً على عقب، بما يوحي بأنّ حجم التبدلات لا يُستهان به، وليس كما في السابق، حيث كانت الاستطلاعات تبدو متقاربة في النتائج مع الاستطلاعات التي تكون قد أُجريت في الدورة السابقة للانتخابات.
ثانيا- يسعى كل فريق الى معرفة احجام بقية القوى السياسية لكي يتمكّن من إنجاز حساباته الانتخابية بدقة، من حيث التحالفات التي قد يضطر إليها لتكبير حظوظه في الفوز بأكبر قدر ممكن من المقاعد.
ثالثا- استخدام نتائج الاستطلاعات، ضمن ادوات الترغيب والترهيب الانتخابي، من خلال تسريب قسم من نتائج هذه الاستطلاعات، إما لاحباط الروح المعنوية لدى الخصوم، من خلال اظهار التفوّق، وإما من اجل غش الخصوم، وجعلهم مُطمئنين الى وضعهم الانتخابي، لتخفيف زخم اندفاعتهم وتحضيراتهم، ومحاولة مفاجأتهم يوم الانتخابات. وإما لاغراء قوى اخرى للموافقة على التحالف بشروط مسهّلة.
اللافت في الطحشة على الاستطلاعات، انها تشمل كل الاتجاهات، وان قوى سياسية منظّمة تقوم باستطلاعات لمعرفة وضعية حلفائها، وليس وضعيتها الذاتية. هذه القوى، لا تستعين بشركات استطلاع الرأي المعروفة في البلد سوى فيما ندر، وفي محاولة للتثبّت من نتائج احصاءات تكون اجهزتها الخاصة قد قامت بها.
لكن المفارقة الأهم في هذا الملف، هي الاحصاءات التي تجريها القوى السياسية لدى المغتربين الذين سجلوا اسماءهم للمشاركة في الاقتراع. وهناك ملاحظتان اساسيتان في هذا السياق:
الملاحظة الاولى: على عكس ما يشكو منه البعض، من ان جهات سياسية محدّدة، وهم يشيرون هنا الى التيار الوطني الحر بسبب قرب وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب من رئيس الجمهورية، تحصل على معلومات مُسرّبة في شأن اللبنانيين الذي تسجلوا في الخارج، وتقوم بالتواصل معهم، تُظهر الوقائع ان معظم الاطراف السياسية، بما فيها تلك التي تنافس التيار الوطني الحر في المناطق ذات الغالبية المسيحية، تصلها المعلومات واللوائح وتقوم هي الاخرى بالتواصل مع اللبنانيين المسجلين للاقتراع في الخارج.
الملاحظة الثانية: ان التواصل واستطلاعات الرأي للبنانيين المقيمين في الخارج تركّز على الحزبيين والذين كانوا محسوبين من قبل على هذا الحزب أو ذاك. بمعنى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتواصل حزب القوات اللبنانية مع لبنانيين كانوا محسوبين عليه، ومصنفين من انصاره، وكذلك يفعل التيار الوطني الحر. هذه الاستطلاعات داخلية، ويهدف منها كل حزب او تيار الى معرفة عدد محازبيه والانصار الذين قد يكونون تخلوا عن سياستهم السابقة، وقرروا الاقتراع لثورة 17 تشرين. ويبدو ان هذا الهاجس يقلق القوى السياسية اكثر من سواه، خصوصا بعدما لاحظوا ان عدد المحازبين المسجلين هذه المرة تجاوز بكثير الاعداد المسجلة في الانتخابات الماضية.
من هنا، يمكن القول ان المعركة الانتخابية بدأت حاليا من خلال حروب الاستطلاعات، والاستطلاعات المضادة. لكن هذه المواجهة تستدعي طرح علامات استفهام كثيرة من أهمها:
اولا- ما هي القدرات الحقيقية لشركات الاستطلاع القائمة على انجاز استطلاعات علمية وموضوعية تكون نتائجها موثوقة بنسبة مرتفعة؟
ثاينا- ما هي القوانين التي تحمي هذا القطاع من الفساد؟ ومن يضمن انه لا توجد شركات مستعدة لتغيير النتائج، او لإصدار نتائج ملائمة لكل من يدفع اكثر مقابل الاستطلاع؟
ثالثا- هل الاجواء تسمح بالاعتقاد ان من يتم استفتاءهم يعطون الاجوبة الصريحة، ام ان الضغوطات الداخلية قد تدفع نسبة كبيرة من المُستفتين الى اعطاء اجوبة تلائم المناخ العام، لكن صوت هؤلاء في اليوم الانتخابي سيوؤل الى الزعيم او الحزب التقليدي الذي اعتاد هذا الناخب منحه صوته؟
رابعا- لا توجد امكانية لمراقبة الانفاق على هذه الاستطلاعات، وبالتالي، ألا يُفترض بهذه الكلفة الانتخابية ان تدخل ضمن قانون تحديد الانفاق الانتخابي ما دامت تحولت الى وسيلة في المواجهة الانتخابية؟ وهل يجوز ان يُمنح اصحاب الاموال الفرصة لاستخدام هذه الآداة، في حين يعجز مرشحون آخرون عن استخدامها؟
أخيراً، لا بد من الاشارة الى ان نتائج تجارب استطلاعات الرأي السابقة، جاءت مقبولة، اذ يصعب القول انها كانت غير صحيحة، كما يستحيل الادعاء انها كانت دقيقة بالنسب المئوية نفسها التي تحققها الاستطلاعات في الدول المتطورة.
وعليه، ستكون الاحصاءات على الطريقة اللبنانية سلاحاً ذي حدين، وستكون مؤذية لمن لا يجيد تقييمها واستخدامها بالطريقة الصحيحة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :