كتب رشيد حاطوم
تدخل دائرة المتن الشمالي مرحلة دقيقة، ليس فقط بسبب إعادة تشكيل التحالفات التقليدية، بل بسبب الاهتزاز الواضح داخل حزب الطاشناق، الذي يجد نفسه اليوم أمام أكبر اختبار سياسي وانتخابي منذ سنوات طويلة. فالحزب، الذي لطالما شكّل ركناً ثابتاً في معادلة المتن، يعاني من ثلاث مشكلات كبرى تهدد وزنه ودوره.
أولاً: الانقسام الداخلي الذي كُسر الصمت حوله
للمرة الأولى منذ زمن، تظهر التصدعات داخل البيت الطاشناقي إلى العلن. خلافات بين الأجنحة، تضارب في توجّهات القيادات، وتباين في النظرة إلى التحالفات المقبلة. هذا الشرخ الداخلي أنهى صورة “الكتلة الصلبة” التي كان الحزب يفاخر بها لعقود، وأضعف موقعه التفاوضي مع القوى الكبرى في المتن.
ثانياً: تراجع الأصوات… والأرقام لا تكذب
الأصوات التفضيلية التي كان يحصدها الطاشناق تراجعت بشكل ملحوظ في الدورتين الأخيرتين، ما جعل الحزب يُدرك أن حجمَه الشعبي لم يعد ضمانة بحدّ ذاته. أعداد المقترعين الأرمن باتت تتوزّع بين مرشحين مستقلين أو خيارات غير حزبية، وهو ما أضعف القوة التصويتية التي كانت تُعطي الطاشناق هامش مناورة واسعاً داخل أي تحالف.
ثالثاً: اهتزاز الولاء السياسي… وتردّد الحلفاء التقليديين
النقطة الأكثر حساسية تتمثّل في تراجع الثقة السياسية بالحزب.
فالتيار الوطني الحر، الذي كان الحليف الأول للطاشناق في المتن، لا يبدو متحمساً لإعادة التحالف معه. الأسباب متعددة:
* الانقسام الداخلي الطاشناقي الذي يجعل الالتزام صعباً،
* تراجع الوزن الانتخابي للحزب،
* واعتقاد التيار أن التحالف معه لم يعد يضيف نقطة قوة حقيقية كما في السابق.
في المقابل، القوات اللبنانية لا تُبدي استعداداً للتحالف معه إلا بشرط واضح:
“الالتزام الكامل بقرارات كتلة القوات في البرلمان.”
وهو شرط يراه الطاشناق انتقاصاً من استقلاليته، فيما تراه القوات ضمانة لعدم تكرار التجارب السابقة.
في المتن… الميزان تغيّر
مع اقتراب الانتخابات، تبدو الصورة مختلفة. الطاشناق الذي كان رقماً انتخابياً مضموناً، بات اليوم رقماً معلقاً بين الماضي والحاضر. الانقسام يضعفه، تراجع الأصوات يقلقه، والتحالفات تهرب منه بدل أن تسعى إليه.
وفي كواليس المتن، يهمس البعض أن الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما إعادة ترتيب صفوفه، أو الاستعداد لخسارة جزء من نفوذه التاريخي في واحدة من أهم الدوائر المسيحية في لبنان.
في كواليس المتن، تُروى حكايات لا تصل إلى المنابر.
يُقال إن الطاشناق يعيش أياماً لا تشبه تاريخه، وإن القيادات القديمة تُدرك في قرارة نفسها أن زمن “البلوك الأرمني الصلب” بدأ يتفكك بصمت. ويهمس مقرّبون بأن حزباً اعتاد أن يفاوض من موقع القوة، بات اليوم يفتّش عمّن يربط معه خيطاً سياسياً يضمن بقاءه في الخريطة.
لكن الحقيقة التي لا تُقال علناً تبقى الأوضح:
المتن تغيّر… والناس تغيّرت.
ومن لا يُجدد نفسه ولا يعترف بأزمته، سيجد أن صندوق الاقتراع أقسى من خصومه، وأكثر صدقاً من كل التحالفات العائمة.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :