كيف ستبدأ الأزمة الماليّة العالميّة المقبلة؟

كيف ستبدأ الأزمة الماليّة العالميّة المقبلة؟

 

Telegram

لا معنى للتساؤل عن إمكان حصول أزمة ماليّة عالميّة مقبلة، ما دمنا نعرف اليوم أن هذا النوع من الأزمات ليس حدثاً عارضاً في تاريخ الاقتصاد الرأسمالي المعولم. بل هو آليّة تصحيح دوريّة، تفرضها الشروخ التي تظهر في النظام المالي والأسواق الدولي في كل حقبة. بات من الأجدى أن نطرح هذا السؤال بطريقة مختلفة: من أين ستبدأ الأزمة الماليّة العالميّة المقبلة؟ وما نوع الشروخ التي لم نلتفت إليها بعد بما يكفي، والتي قد تبدأ منها هذه الأزمة؟ وأي سياسات عامّة قد تكون الأكثر استجابة، في تأخير أو تقليص انعكاسات هذه الأزمة؟ وكم قد تتأخّر، أو يمكن تأخير، هذه الأزمة على أيّ حال؟

 
في اجتماعات الخريف، التي نظمها صندوق النقد والبنك الدولي هذا الأسبوع، الكثير من النقاشات التي خاضت في هذا النوع من التساؤلات. وفي النتيجة، قد لا ترتبط الأزمة المنتظرة بعامل واحد ومحدّد، بل قد تتقاطع في إحداثها عدّة عوامل، تمامًا كما حصل العام 2007، وإن كان ثمّة شرارة معيّنة ستُطلق تداعي أحجار الدومينو.
 
بيار أوليفييه غورينشاس، المستشار الاقتصادي ومدير الأبحاث في صندوق النقد الدولي، قدّم عرضًا تناول “أربع مخاطر رئيسيّة تحدق بالاقتصاد العالمي”، استنادًا إلى تقرير الصندوق عن الآفاق الاقتصاديّة العالميّة. غورينشاس حدّد هذه المخاطر بعبارات واضحة وحاسمة.
 
طفرة الذكاء الاصطناعي
 
الجميع يتحدّث عن الفرص الاقتصاديّة التي سيحملها الذكاء الاصطناعي في قطاعات عدّة، لكنّ القليل يُقال عن مخاطر الفقاعة الكبيرة التي قد تنتج عن هذا التطوّر. ثمّة استثمارات ضخمة تم توجيهها، وخصوصًا في الولايات المتحدة، إلى هذا القطاع. وهذا يُذكّر بفورة استثمارات الإنترنت، في أواخر تسعينات القرن الماضي. وإذا لم تحقّق استثمارات الذكاء الاصطناعي المأمول منها، سنكون أمام “فقاعة” يليها “تصحيح حاد في الأسواق”، أي هبوط سريع ومفاجئ في أسعار الأسهم والأصول الماليّة.
 
 
هذا بالضبط ما حصل بُعيد فورة الانترنت في أواخر التسعينات، حين حدثت “أزمة الدوت كوم”، التي أدّت إلى خسارة مؤشّر نازداك 78% من قيمته خلال سنتين. فحين تبدأ الأزمة في قطاع معيّن، سرعان ما تمتد في سائر مفاصل الأسواق والنظام المالي. الأزمة ستحتاج إلى الشرارة الأولى فقط، وسائر الشروخ ستظهر تباعاً.
 
تآكل مصداقيّة المصارف المركزيّة
 
لم تعد مشكلة المصارف المركزيّة مع أهواء السياسيين محصورة بالدول النامية، حيث يحاول الزعماء تطويع السياسات النقديّة بما يخدم مصالحهم السياسيّة. في واشنطن نفسها، باتت استقلاليّة الاحتياطي الفيدرالي على المحك، مع إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الضغط باتجاه سياسات نقديّة تلائم مزاجه. حديثه عن ضرورة خفض الفوائد، ولو على حساب ارتفاع معدلات التضخّم، يتوازى مع كلامه المتكرّر عن منافع إضعاف قيمة الدولار. كلام كهذا، لن يُعجب حتماً كل من يحمل أصولًا استثماريّة مقومة بالدولار. وقد يكون ذلك أحد أسباب الجنون في أسعار الذهب.
 
وهذا بالضبط ما يراه صندوق النقد. فتزايد الضغوط السياسية على البنوك المركزية حول العالم، لتيسير السياسة النقدية وخفض الفوائد، يهدد برفع التضخّم وتقويض ثقة الأسواق، ما سيعني خسارة عقود من المصداقيّة والاستقرار النقدي. خسارة هذا الاستقرار، سيطلق العنان للاضطرابات الماليّة الواسعة، بداية من سوق السندات. كل شيء بعد ذلك سيخضع لمنطق تهاوي أحجار الدومينو.
 
تصاعد الضغوط المالية على الحكومات:
 
لم تعد هذه المشكلة حكراً على الدول النامية وحدها. في الاتحاد الأوروبي، تعجز 44% من الدول عن إبقاء العجز تحت النطاق المستهدفة، فيما تعاني جميع هذه الدول اليوم من عبئ رفع الإنفاق على الدفاع، بحسب مقرّرات قمّة حلف الناتو الأخيرة. في الولايات المتحدة نفسها، بات حجم الدين العام يقارب 124% من الناتج المحلّي، فيما يُغرق ترامب الحكومة الفيدراليّة بمزيد من العجز بقانون الضرائب والنفقات، أو “القانون الواحد الكبير الجميل” كما يصفه.
 
النتيجة هنا، ستكون إغراق الدول النامية والمتقدمة على حدٍ سواء بالمزيد من فواتير الفوائد، فيما الدول المنخفضة الدخل ستكون الأكثر تضرّرًا، نظراً لفقدانها وسادات الحماية الماليّة والنقديّة اللازمة للتعامل مع أعباء الديون والعجز. أمّا الدول المتقدمة، فستعاني من تناقص القدرة على تمويل شبكات الحماية والاستثمار، ولعلّ أزمات فرنسا السياسيّة، الناتجة عن خلافات حول الماليّة العامّة، أفضل نموذج عن التداعيات المبكرة لهذه المشكلة.
 
الصعوبات الهيكلية في الصين
 
بعد انفجار فقاعة العقارات الصينيّة، ما زال الاستثمار في هذا القطاع في الصين محدودًا، وما زال الطلب على الإئتمان العقاري محدوداً للغاية. لقد استخدمت الحكومات المحليّة والشركات في الصين الاقتراض المفرط، لتمويل مشاريع عقاريّة ضخمة، قبل أن تضبط الحكومة الصينيّة هذه الفقاعة في العام 2020، ما أدّى إلى انهيار شركات كبرى. ولم تتجاوز الصين بعد تداعيات هذه الأزمة. وفي الوقت الراهن، ما زالت الحكومة الصينيّة تركّز إنفاقها على دعم قطاعات محدّدة، وخصوصاً السيارات الكهربائيّة وألواح الطاقة الشمسيّة، ما يخلق مخاطر أزمة كامنة إذا لم يحقّق الدعم النتائج المرجوّة على المدى البعيد.
 
فضلاً عن هذه المخاطر الأربعة، تناولت اجتماعات الخريف في ندوات ونقاشات أخرى مخاطر من نوع مختلف: من القيود التي تُفرض على التجارة الدوليّة، وتأثير ذلك على سلاسل التوريد، واحتمالات عودة التضخّم، فضلًا عن تأثيرات تغيّر المناخ، ومخاطر الديون الممنوحة من الشركات الماليّة غير المصرفيّة. جميع هذه المخاطر، كفيلة بأن تكون الشرارة التي قد تبدأ عندها الأزمة الماليّة المقبلة، إذا توفّرت الظروف المناسبة، وإذا غابت السياسات العامّة الضروريّة للتعامل معها.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram