رشيد حاطوم
في مشهد سياسي يموج بالتناقضات، تبرز النائبة بولا يعقوبيان كنموذج صارخ للازدواجية في الخطاب والسياسة. فبينما تدين العدوان الإسرائيلي على قطر بأقسى العبارات، تعود في سياق لبنان لتقدم للكيان المحتل "ذرائع" وتلوم المقاومة، وكأن الاحتلال يحتاج إلى مبررات لعدوانه المتواصل.
محطات تاريخية: من الرياض إلى الكشف عن التناقض
لا يمكن فصل مواقف يعقوبيان الحالية عن سجلها المليء بالمفارقات. فقبل سنوات، في مقابلتها الشهيرة مع سعد الحريري في الرياض، قدمت نفسها كوجه "معتدل" و"منفتح"، لكنها سرعان ما كشفت عن وجه آخر بعد عودتها إلى لبنان، حيث انقلبت على سرديتها السابقة وتبنت خطاباً مغايراً يتناسب مع التيار الذي يخدم مصالحها السياسية. هذه المرونة الأيديولوجية لم تكن سوى مؤشر على انتهازية ستظهر لاحقاً في قضايا أكبر.
ازدواجية مذهلة: قطر vs لبنان
في 10 أيلول 2025، بعد القصف الإسرائيلي لموقع الوفد المفاوض لحماس في الدوحة، كتبت يعقوبيان على منصة "إكس":
"استهداف قيادات حماس يثبت أن لا أجندة لنتنياهو إلا الاستمرار بالقتل والجرف والدمار... والاعتداء على سيادة قطر يكشف وجه هذا الكيان الحقيقي الذي لا يعرف سوى لغة العدوان والقوة."
هنا، كانت اللغة حاسمة: الاحتلال عدواني بطبعه، ولا يحتاج إلى ذرائع ليمارس إرهابه.
لكن الموقف ينقلب عندما يتعلق الأمر بلبنان. ففي 30 آب 2025، كتبت:
"السلاح غير الشرعي يؤبد الصراع ويعطي نتنياهو ذرائع لكي يبقى ويتمدد في لبنان!"
وفي 30 كانون الأول 2024، دعت إلى "حياد لبنان" كحل للنجاة من الأزمات.
هكذا، تتحول يعقوبيان من مدانة العدوان الإسرائيلي إلى مبررته بشكل غير مباشر، بل وإلقاء اللوم على المقاومة التي وجدت أساساً لردع هذا العدوان.
المفارقة: هل يحتاج الاحتلال إلى ذرائع؟
الازدواجية هنا ليست فقط في الموقف، بل في المنطق نفسه:
قطر دولة حيادية، ومع ذلك تعرضت للعدوان. فكيف يكون "الحياد" حماية؟
لبنان يتعرض للعدوان منذ عقود، حتى قبل وجود المقاومة بمفهومها الحالي. فكيف يصبح السلاح هو "الذريعة" بينما العدوان هو الثابت؟
الاحتلال لا يحتاج إلى ذرائع؛ فهو يعدو لأن طبيعته توسعية، والفرق الوحيد هو أن المقاومة في لبنان تحد من هذا العدوان وتزيد كلفته.
بوصلة الوصاية السياسية
يعقوبيان لم تغير خطابها عبثاً، بل لأن بوصلة سياسة الوصاية توجهها. فحين يكون العدوان على دولة تمثل قيادة سياسية معينة، يكون الرد مدوياً، وحين يكون على لبنان، يُختزل الأمر في حسابات داخلية واتهامات للمقاومة.
هذه الازدواجية ليست فقط "وقحة"، كما وصفها الناقدون، بل هي خطيرة لأنها تشرعن للعدوان وتشوه صورة النضال المشروع ضد الاحتلال. والسؤال الذي يبقى:
كم من مرة يجب أن يتعرض لبنان للقصف، وكم من مرة يجب أن تكشف تناقضات السياسيين، حتى ندرك أن العدو واحد، وأن العدوان واحد، وأن المقاومة هي الدرع الواقي وليس العكس؟
نسخ الرابط :