لفهم أسباب الحروب، ابحث عن لوبيات ومصانع السلاح
تُظهر بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ( SIPRI) أن عائدات أكبر 100 شركة سلاح بلغت 632 مليار دولار في 2023 ، أي بنسبة زيادة وصلت إلى 4.2% مع قفزاتٍ مبيعا لأوكرانيا وروسيا 40% والشرق الأوسط 18% وارتفاعاً لافتاً لإيرادات الشركات الإسرائيلية مع حرب غزة . وهذا ما يطرح أسئلة جوهريّة، حول علاقة مصانع الأسلحة العالميّة بتغذية الحروب، وإذكاء نارٍ حروبٍ أخرى عبر الحدود أو بين أهل البلد نفسه ( حروب أهليّة).
يُلاحظ مثلاً أن أوكرانيا باتت أكبر مستورد للأسلحة الثقيلة في العالم، منذ العام 2020 ( أي أن التحضير للحرب كان سابقًا على اندلاعها) حيث زادت نسبة مشترياتها العسكريّة بنحو 9627%. لا يُمكن تفسير زيادة نسبة واردتها من الاسلحة بنحو ألف مرّة، الاّ بأن مصانع السلاح العالميّة وجدت ساحة ممتازة لصادراتها، وكلما طال أمد هذه الحرب، كلما كانت أكثر سعادة، تمامًا كما في حروب الشرق الأوسط. فتدمير الجيش السوري مثلاً، بعد تدمير الجيش العراقي، يسمحان للدول المُصنّعة للسلاح بتوفير أهدافٍ كُبرى لصادراتها المُقبلة، خصوصًا ان تدمير الجيش السوري ذي العلاقة التاريخية مع السوفيات ثم الروس، يعني الانتقال إلى المصانع الغربيّة لاحقًا لاعادة تجهيزه.
يُلاحظ أيضًا أن حصة الولايات المتحدة من صادرات الأسلحة عالميًّا ارتفعت إلى 43% بين 2020 و 2024، بينما تقول الإدارات السياسيّة الأميركيّة إنّها تريد انهاء الحروب والبحث عن مخارج تفاوضيّة لاحلال السلام. واللافت أنَّ الصادرات الأميركية لم ترتفع فقط في دول الحروب الحاليّة، بل في تلك التي تمهّد لحروب أخرى خصوصًا ضدّ روسيا والصين، فنجد مثلاً أنَّ صادرات الاسلحة الأميركية ارتفعت إلى أوروبا بزيادة لافتة وصلت إلى +233% .
في العام الماضي 2024 وحده، سجّلت الولايات المتحدة رقماً تاريخياً قياسيًّا في مبيعات السلاح الخارجية بلغ 318.7 مليار دولار ، كذلك صعدت شركات أوروبية إلى مستوى المنافسة الحقيقيّة في بيع الأسلحة ومنها مثلا : مجموعة Rheinmetall التي باعت فقط في العام الماضي بنحو 9.8 مليارات يورو .
إسرائيل نفسها الغارقة بحروب الجبهات السبع كما يقول بنيامين نتنياهو، سجّلت رقمًا جديدًا في صادرات أسلحتها، حيث تقول البيانات الرسميّة الدوليّة، إنّه في العام 2024، ارتفعت صادرات إسرائيل العسكرية بنحو 13% ليصل مجموعها إلى ما يقارب 15 مليار دولار. وحظيت أوروبا بنسبة صادرات عسكرية اسرائيلية وازنة، وصلت الى حدود 54% في العام الماضي . تمامًا كما صدّرت إسرائيل الى الهند وأميركا نفسها.
لا داعي طبعًا لمراعاة القوانين حين يتعلّق الأمر بحماية إسرائيل، فاللوبيات العسكريّة جاهزة فورًا لتلبية القرار السياسي، وهكذا نُلاحظ أن السلطات الأميركية لجأت منذ كانون الأول/ ديسمبر من العام 2023 أي بعد أقل من شهرين على اندلاع الحرب على غزة، إلى ما يُسمّى بسلطة الطواريء، على الأقل مرّتين، لإرسال قذائف 155 ملم وذخائر دبابات، دون أي مراجعة برلمانية ناهيك عن 8 مليار دولار كحزمة مساعدات في مطلع العام الجاري.
وفق معهد واشنطن، فإن الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل بين تشرين الأول/ اكتوبر 2023 و أيلول/ سبتمبر 2024 وصل إلى حدود 18 مليار دولار.
وهكذا بات الشرق الأوسط ، الذي غالبًا ما يكون جذّابًا جدًّا لمصانع ولوبيات السلاح العالمية، من بين الأعلى استيرادًا للأسلحة، ويكفي أن نُشير إلى أنَّه في العام 2023 وحده أي مع اندلاع الحرب على غزّة، ازدادت مشتريات الاسلحة في الشرق الأوط بنسبة 18%، ليس حماية لفلسطين، بل خوفًا على الدول المستوردة نفسها، أو لأن الإدارات الاميركية كانت بحاجة لبيع أسلحة وطائرات وقطع غيار وغيرها. فكثيرٌ من الاسلحة التي تشتريها الدول العربيّة، لا تُستخدم، وليس لها دور سوى تغذية الميزانيات الأميركيّة. وقد لاحظنا مثلاً كيف لم تُستخدم هذه الأسلحة في خلال العدوان الاسرائيلي على قطر، بل استُخدمت هي نفسها ومن قلب قطر ضد الصواريخ الإيرانية المستهدفة إسرائيل.
وكان لدخول إيران على خط الإشباك المباشر، دورٌ ملحوظ في سعي لوبيات السلاح في الغرب، الى المساهمة برفع مستوى القلق من طهران، وهو ما أدّى الى ارتفاع كبير للطلب على القبب الحديديّة والصورايخ الاعتراضيّة وغيرها .
ومع قتل الناشط الأميركي اليميني المتطرّف المقرّب من الرئيس دونالد ترامب ، شارلي كيرك، أعيدت إلى الأذهان مسألة اللوبيات الصناعيّة العسكريّة التي نجحت على نحو باهر طيلة العقود الطويلة الماضية، في منع المُشرّع الأميركي من وقف بيع الاسلحة الفرديّة للأميركيّين، لا بل أن الأرقام تُشير إلى ارتفاع نسبة أرباح هذه المصانع من خلال بيع السلاح في الداخل الأميركي بنحو 150 مليون دولار في العام الماضي.
ماذا يعني كلّ هذا :
أولاً: أنَّ الحروب لن تهدأ، وإنْ هدأ بعضُها سيشتعل غيرُها، ذلك أن البُنيّة القانونيّة وقوّة اللوبيات الصناعيّة العسكريّة تجعل من منع الصفقات أصعب من تمريرها. ولو هدّات الحروب، ستظهر فيروسات أمراض، تُنعش مصانع الأدوية العالميّة.
ثانيًّا: أنَّ حروب أوكرانيا وغزّة وإيران، والاستعداد لحروب أخرى مع روسيا والصين، وتأجيج الصراعات الحدوديّة بين دول أخرى، مثل الهند وباكستان وغيرهما، سجّلت في السنوات القليلة الماضية أرقامًا قياسيّة في مبيعات الاسلحة العالميّة، وسوف يزداد بيع الأسلحة في السنوات المُقبلة، مع إضافة كل ما يتعلق بأسلحة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وذلك فيما تتشدّق دول العالم غربًا وشرقًا، بأنّها تعمل على انهاء الحروب.
ثالثا: انطلاقًأ ممّا تقدّم، يُصبح من واجب الدول العربية، حرصًا على مصالحها، أن تعمل جاهدة على اخماد الحروب والبحث عن وسائل توحيد قرارها، وتعزيز توازنها في العلاقات الدوليّة، والاّ فإنها ستستمر ساحاتٍ فُضلى لمصانع الاسلحة العالميّة التي لا يهمّها كم يموت من الناس يوميًّا، بل كم ارتفعت نسبة المبيعات. فما بدأ في غزّة ولُبنان وسوريا واليمن، سينتقل حتمًا إلى دولٍ أخرى، ولا يمكن التفكير بحلٍ فعليّ لفلسطين، طالما دور إسرائيل المركزي في الشرق الأوسط هو محاولة إخضاع الجميع بالسلاح. فالمصانع العسكريّة بحاجة لابقاء هذه البؤرة مشتعلة، تمامًا كما هي الحال مع إيران، حتّى ولو أنّ طهران والدول العربية المجاورة فعلت خيرًا بعقد سلسلةٍ من التفاهمات.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي