المبعوث براّك والحيوانات: “عوي ولاك”… بالأمريكاني!

المبعوث براّك والحيوانات: “عوي ولاك”… بالأمريكاني!

 

Telegram

 

د. لينا الطبال

في بلدٍ يصرّ على تسمية نفسه جمهورية، وقف المبعوث الأميركي في القصر الجمهوري وقال كلمة… كان يجب أن تنفجر الأبواب، أن يتطاير الزجاج ويهتز القصر، أن تُرمى الكراسي، أن يُكسر الميكروفون، حين لفظ الكلمة: “حيوانات”… هكذا خاطب توم براك الصحفيين من قلب بيروت، من منصة تحمل علم الجمهورية اللبنانية.
كلمة واحدة دخلت مثل رصاصة في الرأس وخرجت ببطء، كأنها تستمتع بمنظر الدم يسيل على جبين الصحافة اللبنانية. جملة واحدة اختصرت السياسة الأميركية في الشرق:


حيوانات!
 فوضويون!
 غير متحضرين!

إذا نحن الآن حيوانات بصفة رسمية وباعتراف من السفير الإمبراطوري… ما جرى لم يكن زلة لسان، ولا خطأ بروتوكولي، ولا سوء تعبير، ولا حتى سوء ترجمة. ما تم قوله هو تصريح واضح  “أنتم القطيع… ونحن الرعاة.”
 والأجمل أن القطيع ضحك، فتح هاتفه وصور الإهانة ثم ألصق عليها قلب أحمر ونشرها على تيك توك… او أي وسيلة تواصل  أخرى لا يهم…
Animalistic.. قالها لكم وكأنه يصرخ في الحظيرة، لا في القصر الجمهوري. ولم يهتز شيء. والأجمل ان الرئاسة اللبنانية هرعت لتعتذر من الصحفيين! يا لروعة السيادة!
وأين وزير الخارجية؟ ربما عالق في زحمة السير على طريق المطار، أو في زحمة الولاءات. في النهاية، هو دائما عالق… في مكان ما.
هذا ليس مقال عن توم براك، لا… أنا هنا أكتب عنكم، أنتم الذين تسمون أنفسكم بالسياديين… هذا المقال عنكم انتم، شركاؤنا في الوطن.
براك نطقها بوضوح، لم تكن زلة لسان… كلمته اكّدت على إعادة إنتاج العلاقة القديمة: السيد والعبد.
ما حدث هو تعبير عن البنية العميقة لعلاقتكم بالعالم: علاقة التابع بالسيد، ونعم، توم براك يعرفكم جيدا. لم يفرض نفسه بالقوة، أنتم من فتح الأبواب، وأنتم من فرش السجادة الحمراء للذل. هو يتصرف فقط بمنطق المستعمر الأشقر.
توم براك يعرفكم جيدا، يعرف أنكم تعيشون في نظام يقدس التبعية ويكره حتى ظل المقاومة… والمشكلة لم تكن أبدا في الكلمة، المشكلة في ردّة الفعل التي أفرزها هذا الجسد الاجتماعي الذي يدعي السيادة: صمت القاعة، ثم التصفيق.
الا تتابعوا ما حدث في غزة؟ البارحة؟ كل يوم؟ ستة صحافيين استشهدوا، يضافون إلى قائمة جعلت من غزة المقبرة الأكبر للصحافة في التاريخ المعاصر، فقط لأنهم حاولوا الدفاع عن معنى الوطن… ألا تدركون، يا أبناء السيادة وحراس الألقاب، أن هذه المهنة تُمارس كطقس للتضحية؟
نحن لا نطلب منكم أن تنالوا الشهادة، لكن استعيدوا الحدّ الأدنى من الفعل، من الرمز… كلمة واحدة كانت تليق بالمكان، أو حذاء يُرمى في وجه كرامة ضائعة. أين كان منتظر الزيدي بينكم؟ أين كان الحذاء الذي يليق بوجه من قال هذا الكلام؟ أين كان صوت الغضب؟ الإهانة، يا أعزاء، لا تُعالج ببيان اعتذار.
لكنكم لجأتم إلى الحيلة المفضلة: التبرير. قلتم “سوء ترجمة”… لكن الحقيقة أعمق. هذا يسمّى سوء وجود، سوء سيادة… سموه ما شئتم وكما يحلو لكم، فالعار له ألف اسم وكلها تبدأ بكلمة سوء.
هذا العار يكشف عن مجتمع فقد مناعته الرمزية، ويبحث عن الأعذار ليبرر عبوديته. أنتم تحوّلون الإهانة إلى حادث بروتوكولي، لكنها في الأساس لحظة انكسار.
نعم يا شركائي في الوطن، أنتم جماعة تبرر إهانتها كما تبرر انهيارها. مجتمع يختبئ خلف أكاذيب لغوية لأنه عاجز عن مواجهة الحقيقة. وحين تدافع جماعتكم عن الإهانة، فاعلموا أن مرضكم بنيوي: أنتم قطيع وتتصرفون كقطيع أمام الذئب، حتى لو أكل لحمكم ومسح فمه بدمكم.
أنتم فراغ… بلا عظام، بلا دم، بلا قدرة على الغضب. أنتم نتاج رخو للنموذج النيوليبرالي، عاجزون عن الحركة، ولا تتحملون حتى كلمة مقاومة.
سمعناها واضحة… لكن الإعلاميون منكم الذين تجرعوا الإهانة سيخرجون الليلة في برامج الـ Talk Show ليناقشوا تسليم سلاح المقاومة… يا له من وطن!
وهذا الاستعلاء من توم براك… ألا يذكركم بشخص؟ ترامب مثلًا…  الرئيس الكاريكاتوري. هو ملخص لسياسة بكاملها: ثقافة تعتبر الوقاحة فضيلة، والسخرية والتهديد استراتيجية تفاوضية.
كل من حوله يحاولون تقليده بفظاظتهم وتهريجهم. ترامب اختار إدارته من أشخاص يتقنون لغة البلطجة مثله، هكذا أرادهم… يشبهونه.
 ترامب حين يتكلم لا يتحدث… هو ينبح: كلمات قصيرة، صفعات على الهواء، تهديدات تلفزيونية يختتمها بشتيمة. يحب الشتائم ويحب توجيهها لرؤساء الدول… يقطّب وجهه حين لا يفهم، يرفع حاجبيه، يستهجن، يضحك حين يسخر، ويسب كما لو أن العالم كله يجب أن يدور في مداره… حركات يد، ملامح وجه، دهشة مصطنعة حين يرفض الآخرون الخضوع. كل شيء فيه شعبوي يعبر عن الذهنية الأميركية التي تؤمن أن الهيمنة حق طبيعي، وأن الحضارة يمكن فرضها بالضجيج، أو بصفقة، أو بصاروخ.
أميركا هي دولة الغرائز… غريزة السيطرة، الهيمنة، ونشر الفوضى. هذه هي أميركا، غرور وفظاظة وتصفيق. وترامب يترجم هذا للعالم “هذا نحن… تعالوا إلى جحيمنا، فهو أفضل لكم من جحيمكم بلا أميركا”… سياسة غبية؟ نعم.
قد تظن أنني أتحامل على ترامب… قد يكون هذا صحيحا لو لم تأتِ الشهادة من أقرب الناس إليه، من والدته التي وصفته بأنه “غبي” لكن حين تقول والدته إنه غبي، فهذا يعتبر شهادة من المصدر الأول.
ترامب كشف صورة اميركا وحقيقتها، وتوم براك اهان لبنان ووضعكم امام أنفسكم: انتم قطيع يصفق للاهانة ويقول بلغة ركيكة خاصة به: “Merci for coming, Sir”
عوي ولاك بالأمريكاني! … هي شعار مرحلة حشرتم أنفسكم بها، يا لها من نهاية …
يا أهل الكرامة… والسيادة، ألف مبروك عليكم الإهانة. افترشوها، رشّوا عليها ماء الورد، وغنوا للنشيد الوطني، وطالبوا بنزع السلاح؛ فمجتمع لا يعرف معنى الكرامة لا يعرف حقا معنى السلاح، ولا معنى المقاومة.
نعذركم ونتفهمكم… اليوم فقط فهمنا أنكم اخترتم حياة القطيع في حظيرة الحضارة المستوردة.
أعزائي القراء، هذا هو لبنان الذي يريدونه في زمن ما بعد الحداثة، بلد يبتسم للاهانة وينشر صورة مع المبعوث الاميركي على شبكات التواصل مرفقة بهاشتاغ #السيادة.
اكاديمية وباحثة – باريس

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram