بالتوازي مع مساعي تركيا لتشكيل حلف إقليمي تحت قيادتها للضغط على «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، تواصل فرنسا، التي وجدت في سقوط النظام السوري فرصة لإعادة نفوذها إلى سوريا وزيادة الضغط على روسيا، محاولاتها توسيع قنوات التواصل مع الإدارة السورية الجديدة المقرّبة من أنقرة، من جهة، و«قسد» التي تخشى انسحاب الولايات المتحدة، من جهة أخرى، في مشهد يرسم ملامح صراع دولي حول سوريا الجديدة. وتصدّر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي سارعت بلاده لتنصيب نفسها وصية على «الأقليات»، الدول الأوروبية المنفتحة على دمشق، عبر اتصال مباشر أجراه مع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ليكون أول زعيم أوروبي يقدم على هذه الخطوة.
وتضمّن البيان الذي صدر عقب الاتصال، إلى جانب تهنئة ماكرون للشرع بتوليه منصب الرئاسة، توجيه دعوة إليه لزيارة باريس، ومناقشة سبل المساعدة التي يمكن أن تقدّمها فرنسا لسوريا، سواء عبر رفع العقوبات، أو عن طريق المساهمة في مواجهة التحديات الأمنية، وهي نقطة لا بدّ من الوقوف عندها، في ظل تشعّب دلالات هذا المصطلح، وتعدّد زواياه، وبالنظر إلى وجود جماعات متشدّدة تحاول الإدارة السورية إذابتها في النسيج الجديد للدولة، وإصرار أنقرة على وضع الأكراد ضمن إطار «الإرهاب»، وإعلان جميع الأطراف استعدادها للمشاركة في محاربة تنظيم «داعش»، الذي تتخذه الولايات المتحدة ذريعة لوجودها في سوريا.
ويأتي الاتصال الفرنسي بدمشق، قبل نحو أسبوع على استضافة باريس مؤتمراً حول سوريا في 13 شباط، تشارك فيه دول إقليمية، على رأسها السعودية. كما يتزامن مع الهجوم التركي المستمر على الدور الفرنسي في سوريا، والذي يزاحم أنقرة في وقت تنتظر فيه الأخيرة بفارغ الصبر انسحاب القوات الأميركية، بما يفسح المجال أمام تضييق الخناق على الأكراد في «قسد»، وإنهاء مشروع «الإدارة الذاتية» الذي تقوده في الشمال الشرقي من سوريا، عبر تشكيل حزام تحالف إقليمي يضم العراق والأردن لمحاربة تنظيم «داعش». ويُضاف إلى ذلك، تهديد أنقرة بشن عملية عسكرية ضد قيادات «قسد»، والذين تقول إنهم ينتمون إلى «حزب العمال الكردستاني» وتطالب بخروجهم وعودتهم إلى معاقلهم في جبال قنديل في العراق.
ودفعت الضغوط التركية المتواصلة على «قسد»، الأخيرة، إلى اعتبار أن أنقرة تهدّد الحوار الذي خاضته الأولى، بوساطة فرنسية – أميركية، مع أحزاب «المجلس الوطني الكردي» المقرّب من تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق، تمهيداً لتوسيع دائرة النقاش مع الإدارة السورية الجديدة، التي أعلنت عن خطة لإعادة هيكلة الجيش السوري، وحلّ جميع الفصائل والتشكيلات العسكرية، بما فيها «قسد»، إذ قال مدير المركز الإعلامي لـ«قسد»، فرهاد شامي، في تصريحات إلى وسائل إعلام محلية، إن «هناك أطرافاً خبيثة بطبيعة الحال لا تعجبها تلك الحوارات، وتعمل على إفشالها»، مشيراً إلى «أننا كنا في مرحلة متقدّمة لحل القضايا المتعلقة بالأحياء ذات الغالبية الكردية في حلب، والإدارة في دمشق كانت راضية بالحوار ونقاط الاتفاق كانت قوية، ولكن، بحسب ما نُقل إلينا أن تركيا تدخّلت ومنعت توقيع الاتفاقية بيننا والإدارة في دمشق». وأكّد أن الحوارات مع دمشق «مستمرة، وهي مفيدة وضرورية»، مضيفاً «(أننا) نعمل على أن تكون تلك الحوارات سلسة، تتلمّس الاحترام المتبادل، وهي ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار».
وفي وقت شدّد فيه شامي على أن الدور التركي يعرقل الحوار، أشار إلى أن انضمام القوات الكردية إلى الجيش السوري «سيكون عامل قوة لهذا الجيش»، مضيفاً أن «دخول قسد إلى الجيش لن يكون عسكرياً فقط، إنما هو شعبي واجتماعي واقتصادي، وسيكون تأثيره كبيراً على حاضر سوريا ومستقبلها»، وفق تعبيره، من دون أن يخوض في تفاصيل الخلاف القائم في الحوار. والجدير ذكره، هنا، أن الخلاف المشار إليه يتعلّق بشكل أساسي برغبة «قسد» في الحفاظ على تشكيلها العسكري، والعمل تحت مظلة الجيش السوري، بالإضافة إلى محاولتها الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من «الإدارة الذاتية»، وهو ما أعلنت الإدارة السورية الجديدة رفضه، وأكّدت أنها لن تقبل بأي طرح يرتبط بالفدرلة أو يسمح بوجود تشكيل بلون واحد داخل الجيش الذي يتم بناؤه، علماً أن هذا الجيش تشرف تركيا بشكل مباشر على عملية هيكلته.
إلى ذلك، وإلى جانب الدعوة التي وجّهها ماكرون إلى الشرع، لزيارة باريس، وجّه الاتحاد الأوروبي دعوة إلى وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، لزيارة بروكسل. وإذ لم يتم تحديد موعد واضح لهذه الزيارة، أشارت مصادر مطّلعة، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل على عقد مؤتمر خاص لدعم سوريا، موضحةً أن هذا المؤتمر سيتضمن محاولة لتوفير أموال لدعم عمليات إعادة الإعمار، بالإضافة إلى منع تجميد الحساب الذي تم افتتاحه لدعم سوريا، والذي سيعمل الاتحاد على توجيهه نحو دعم بعض القطاعات الرئيسية، في سياق تمهيد الأرض لإعادة ما يمكن إعادته من اللاجئين، بالإضافة إلى وقف تدفّق هؤلاء.
ولفتت المصادر إلى أن المساعي الأوروبية «ستتم بالتعاون مع الإدارة الجديدة»، متحدّثة، في الوقت نفسه، عن وجود ضغوط أوروبية مستمرة على الشرع، لإخراج روسيا التي تملك قاعدتين عسكريتين (حميميم الجوية وطرطوس البحرية) من سوريا، وهي نقطة يحاول الأخير تجاوزها في ظل إصرار روسيا على البقاء في قواعدها، فضلاً عن الدعم التركي غير المعلن لهذا البقاء، في سياق التفاهمات التي تمّت بين البلدين قبيل سقوط النظام السوري.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :