العهد الجديد: فرصة لا تتكرّر

العهد الجديد: فرصة لا تتكرّر

 

Telegram

 

انتُخِب الرئيس جوزاف عون بأكثرية نيابية كبيرة، مواكَباً بدعم عربي أكبر، وسط جو شعبي من التفاؤل بأنّ لبنان مقبل على ورشة إعادة نهوض على كل المستويات، وإعمار في كل المجالات. هذه الموجة من التفاؤل لا تزال قائمة، لكنّها تواجَه برياح معاكسة سببها تسابق الكتل النيابية بمختلف اتجاهاتها على الفوز بحصص وزارية في الحكومة التي كُلِّف الدكتور نواف سلام تشكيلها بعد تسميته بأكثرية نيابية في الاستشارات الملزمة.

ويرى متابعون للشأن اللبناني، أنّ على رغم من «اتفاق الطائف» الذي استحال دستوراً، أناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً، فإنّ الأفرقاء السياسيّين لا يَملكون ترف التمادي في التجاذبات، ومحاولة كل فريق منهم «شَدّ اللحاف» إلى صدره، والاستئثار بـ»مكاسب» تُعدّ وهمية قياساً على المشكلات التي يرسف في قيودها بلد كلبنان يعيش في معاناة كبرى على غير مستوى وصعيد.

وبعيداً عمّا يجري تداوله من أسماء لإسقاطها على حقائب وزارية، فإنّ السؤال المطروح: إلى أين ستّتجه البلاد إذا كانت ستُدار بالعقلية نفسها التي أُديرت بها، ليس في مرحلة ما بعد «اتفاق الطائف»، بل ما قبله بكثير؟ إنّ خطاب القَسَم الذي ألقاه الرئيس جوزاف عون أمام المجلس النيابي بُعيد انتخابه تضمّن عناوين مفتاحية لا تحتمل التأجيل، ويجب مواكبته عبر قناتَين:

- الأولى: مؤتمر وطني يدعو إليه رئيس الجمهورية يطرح بجرأة الموضوعات الخلافية التي كان يتمّ تجاوزها بتحاشي إثارتها، أو مقاربتها من بعيد، أو عرضاً في بعض المناسبات. بما في ذلك إجراء بعض التعديلات الدستورية لتلائم روح «اتفاق الطائف» مع نصّه، من أجل توازن السلطات، وتصحيح المُهَل تسهيلاً لسَير عمل المؤسسات والإدارات. كذلك وضع أسُس السياسة الدفاعية والإجابة عن الأسئلة الصعبة المتعلقة بالسياسة الخارجية. بالإضافة إلى استكمال تطبيق «إتفاق الطائف» بكل مندرجاته بدءاً بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس الشيوخ وتحديد مهمّاته، ووضع القواعد الرئيسة لعقد وطني واجتماعي جديد ينطلق من المتغيّرات التي طرأت على الواقع اللبناني منذ «إتفاق الطائف» إلى اليوم.

- الثانية: الحكومة التي يتعيّن عليها الخوض في ورشة كبرى لإصلاح القضاء، الإدارة، تحديث القوانين، إعادة الإعمار، الإصلاح المالي، التدقيق الجنائي وإعادة الودائع إلى أصحابها، وإرساء دولة القانون والمؤسسات، وإصدار المراسيم بكل المواضيع التي يتمّ الاتفاق عليها في المؤتمر الوطني.

إنّ إندفاعة رئيس الجمهورية، وحماسته لكل عنوان من عناوين خطاب القَسَم، والتزامه الصادق به، والذي يلقى تأييداً عربياً ودولياً واسعاً، توفّر فرصة يجب عدم إضاعتها في الخلافات والنزاعات الجانبية، والتسابق على الحصص، والخروج من السجالات العقيمة التي ترافق عملية تشكيل الحكومة العتيدة التي ستدير البلاد حتى موعد الانتخابات النيابية في ربيع السنة المقبلة. وإنّ إستعجال تأليفها بسرعة يعود إلى رغبة عدد من القوى في إقرار قانون انتخابي جديد يحل محل القانون المعمول به، الذي يعتمد النسبية على قاعدة الصوت التفضيلي، والذي كشف عن ثغرات كثيرة وعيوب يمكن تفاديها بتعديله أو بوضع قانون بديل. وستكون الحكومة المنتظرة جسر عبور من مرحلة إلى مرحلة، لكنّ نتائج هذا العبور متصلة بطبيعة الحال بما ستُسفِر عنه الانتخابات النيابية في دورة العام 2026. ويحتاج الرئيس عون إلى تأييد يتجاوز البيانات والتصريحات التي تقطر «حلاوة» إلى ما هو أبعد وأوضح، أي إلى ثقة مطلقة بأنّه لن يتراجع عمّا التزم به، مهما كانت الصعاب والتحدّيات. فمن حقه أن يسمّي وأن يعطي توجيهات حول طريقة تشكيل الحكومة، ويبدي رأيه في الأسماء المرشحة لدخولها إلى أي طائفة انتمت لأنّه ليس رئيساً لطائفة أو مجموعة، بل هو رئيس البلاد ورمز وحدتها أرضاً وشعباً. ومن غير الجائز أن توضَع أي عراقيل تعوق حركته في سبيل الخروج من النفق الذي أُدخل فيه لبنان. وعلى جميع الأفرقاء اللبنانيِّين أن يعرفوا أنّ الفرصة التي لاحت مع انتخابه قد لا تتكرّر.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram