ريتا الصيّاح
إميلي نصر الله، عرفناها كلنا بفضل نصوص القراءة خلال سنواتنا الأولى على مقاعد الدراسة، وعرفها بعضنا بفضل عشقه للمطالعة وشغفه بالأدب العربي.
هي رائدة من رائدات هذا الشرق، لبنانية حملت وطنها وعالمها العربي إلى العالم أجمع فكتبت عنها أشهر الصحف العالمية، دافعت عمّا تؤمن به، بقلم وفكرة، آمنت بالوطن، والأدب، والمرأة، فاستحقت أن تذكر بين مبدعي لبنان.
كروائية لم تبحث إميلي نصر الله عن القصص المعقّدة أو الأحداث الغريبة، بل كانت تكتب عن حياتنا اليوميّة، عن الفتاة التي زوّجوها رغماً عنها لأنها قد بلغت سنّ الزواج، عن الرجل الذي دعاه أولاده لزيارتهم في بلاد الاغتراب، فأحسّ كأنّه مرميّ في سجن مغلق، عن الحرب، عن نظرة المجتمع العربي للمرأة، عن الهجرة والاغتراب، عن نساء القرية وأحاديث صباحاتهنّ، عن "المونة" ....
لكنّها وهي تكتب لك عن روتين هذه الحياة، تجعلك تقرأ في كلّ سطر ألاف الأحداث. وهي تروي لك عن فتاة منحوها لغير حبيبها تشعر برغبة تدفعك إلى احتضان من تحبّ، خوفاً من الفراق. وهي تروي لك عن عدوان الطائرات على الجنوب، تقوم أنت بصمّ أذنيك عن هدير هذه الطائرات وقنابلها الذي يأتيك مدوياً عبر كلمات مدوّنة على ورقة. وهي تروي لك عن رجل كره الغربة تشعر وكأنّ الكون من حملك يُطبق عليك لتشارك بطل الرواية سجنه البعيد، تقرأ لها عن المرأة الشرقيّة، فتحمل لواء الدفاع عنها وتقديرها. تستمع لطفل يقرأ نصاً من نصوصها فتعود تلميذًا مبتسمًا على مقعدك الدراسي. انتقادها للتقاليد وتصويرها لأحلام شباب القرى يجعلانك تتمرّد معها على كلّ ما هو ساذج، ومتسلّط، باحثاً مع شبان وشابات رواياتها عن تحقيق أحلامهم التي هي أحلامك.
الأدب هو من عشق إميلي حتى قبل أن تعشقه هي، فأنت، وحين تقرأ رواياتها، تشعر وكأّنّ الأقلام تتحرّك وحدها بين أناملها لتروي لك قصّة جديدة، لا تشعر بأي جهد في الكتابة، بل بسلام داخلي يبعث على السرور.
هي أفضل من كتب الرواية وقصص الأطفال، لا بسبب المواضيع التي كتبت عنها فقط بل بسبب أسلوبها الذي يكاد يقارب الكمال وكأنّ إميلي ليست سوى ملاك ترجم لنا أفكار آلهة الرواية فكانت لنا كتبها الكثيرة مثل: طيور أيلول، الرهينة، الإقلاع عكس الزمن، شجرة الدفلى، الجمر الغافي، روت لي الأيام... وتلك التي توجّهت بها للأطفال مثل: يوميات هرّ، على بساط الثلج، جزيرة الوهم...
إلّا أنّ همّها الأكبر كان المرأة العربية وحقوقها، لكنّ اهتمامها هذا وأنشطتها في هذا المجال لم تكن بالتباكي على نساء الشرق ومهاجمة رجاله، بل هي ركّزت في رواياتها على وضع المرأة في مجتمعنا وتحسينه، كما وأضاءت على انجازات نساء من الشرق فكانت لها موسوعة "نساء رائدات من الشرق" في ستّة أجزاء تتحدّث عن أهمّ ما قدمته نساء العالم العربي في مختلف المجالات.
عاشت إميلي روائية مبدعة ومناضلة، مناضلة من أجل قضاياها ومناضلة ضدّ المرض الذي أنهك جسدها فرحلت عنّا في الرابع عشر من أذار 2018، لكن كلماتها وكتبها ما زالت وستبقى مع كل قارئ وباحث عن الإبداع.
إميلي أبي راشد نصر الله هي ابنة الجنوب اللبناني، ولدت في السادس من تموز عام 1931، في قرية الكفير في حاصبايا، كتبت العديد من الروايات والقصص القصيرة وقصص الأطفال، نشرت أوّل رواية لها في العام 1962 وكانت رواية "طيور أيلول" التي حازت على ثلاث جوائز أدبيّة. لها أربعة أولاد، هم رمزي، مهى، خليل ومنى من زوجها الكيميائي فيليب نصر الله.
تلقت دراستها الجامعية في الجامعة الاميركية في بيروت ونالت عام 1858 شهادة الماجيستير، حازت كتبها على عدة جوائز منها جائزة سعيد عقل في لبنان وجائزة مجلة فيروز وجائزة جبران خليل جبران من رابطة التراث العربي في أوستراليا وجائزة مؤسسة IBBY العالميّة لكتب الأولاد على رواية "يوميات هر".
ترجمت قصصها للغات عديدة كالإنجليزيّة والألمانيّة وحاضرت على منابر عالميّة في الولايات المتّحدة واستراليا.
عملت خلال حياتها في التّعليم والصحافة وكانت كاتبة وروائيّة ومحاضرة وناشطة في مجال حقوق المرأة.
توفيت في 14 آذار 2018 بعد صراع مع مرض السرطان.
يوم رحيلها كتبت عنها أشهر الصحف العالمية كالدايلي ستار الانجليزية وواشنطون بوست الاميركية.
هي طائر أيلولي آخر رحل عنا في موعد عودة الطيور إلينا.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :