أكثر من ثمانية عشرة يوماً على بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، اثر عملية المقاومة الفلسطينية البطولية في غلاف غزة ونجاحها في توجيه ضربة مؤلمة لجيش الاحتلال، لم ينجح العدو في إضعاف قدرات المقاومة وتدمير بنيتها العسكرية، أو النيل من معنويات الشعب الفلسطيني والتفافه حول مقاومته، بهدف استعادة القوة الردعية لجيش الاحتلال والحفاظ عليها واسترداد هيبته، رغم انّ طيران العدو ألقى ما يعادل القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما حتى تاريخه، واستخدم كلّ ما زوّدته به الإدارة الأميركية من أسلحة دمار شامل، وقنابل خارقة للتحصينات… ورغم حرب الإبادة التي يواصل شنها ضدّ البشر والحجر في غزة، ودمّر خلالها حتى الآن عشرات آلاف المنازل، وارتكب المجازر التي أدّت، حتى الأمس، إلى ارتقاء نحو 7 آلاف شهيد، وجرح نحو 19 ألف، معظمهم من الأطفال والنساء…
كيف تجلى الفشل الاسرائيلي؟
أولاً، استمرار المقاومة في إطلاق الصواريخ على مستوطنات ومدن الاحتلال في جنوب فلسطين المحتلة وفي العمق الصهيوني في تل أبيب وما يُعرف بغوش دان، وصولاً إلى مستوطنات الضفة الغربية، ونجاح الصواريخ في إصابة أهدافها في تل أبيب وإحدى مستوطنات الضفة، مما يؤدّي طبعاً إلى إبقاء الكيان في حالة من انعدام الأمن والشلل في كلّ مناحي الحياة وبالتالي تعطل الحركة الاقتصادية فيه.
ثانياً، مواصلة المقاومة شنّ الهجمات ضدّ مواقع جيش الاحتلال في داخل غلاف غزة وصولاً إلى عسقلان، والتصدي لأيّ محاولات توغل لقوات العدو، واستدراجها إلى كمائن نصبتها لها مجموعات المقاومة، وهو تجسّد بالآتي:
1 ـ نجاح مجموعات الضفادع البشرية في المقاومة في التسلل إلى شواطئ قاعدة العدو العسكرية قرب مدينة عسقلان، والاشتباك مع جنود الاحتلال، وقد اعترف المتحدث باسم جيش العدو بذلك…
2 ـ تصدي مجموعات المقاومة لقوة صهيونية مدرّعة حاولت التقدم من السياح الشائك شرق خانيوس، والاشتباك معها وايقاع إصابات بالغة في صفوفها، اعترف العدو بمقتل جندي وإصابة ثلاثة بجروح، والتراجع خلف السياج.
ثالثاً، قرار الشعب الفلسطيني بالصمود ورفض الخضوع لتهديدات وإرهاب العدو، وهو ما تمثل في عودة عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين نزحوا في الأيام الأولى من العدوان من شمال القطاع إلى جنوبه، إلى منازلهم في شمال غزة ومدينتها.. بعدما تبيّن لهم انه ليس هناك مكان آمن في القطاع وانّ الاحتلال يقصف كلّ المناطق.
ما تقدّم يدلل على أمرين مهمّين…
الأمر الأول، جهوزية عالية لدى المقاومة واستمرار إمساكها بزمام المبادرة في الميدان، وقدرة على مهاجمة قوات الاحتلال، واستعداد كبير لمواجهة هجومه البري في حال تجرّأ عليه، في وقت يعاني فيه جيش الاحتلال من المراوحة في المكان، في ظلّ تردّد قادة العدو العسكريين والسياسيين إعطائه أمر البدء بالهجوم البري الذي جرى تأجيله للمرة الخامسة حتى الآن، وذلك خوفاً من الوقوع في مستنقع من الاستنزاف ذات كلفة عالية، والغرق في حرب مدن لا يملك جنود العدو الخبرة فيها، فيما رجال المقاومة تدرّبوا عليها وهم استعدّوا لها وباتوا مسلحين بأسلحة قادرة على إيقاع خسائر جسيمة في جيش الاحتلال بالأرواح والعتاد وتحويل غزة إلى مقبرة له كما وعدته قيادات المقاومة… واستطراداً تعرّض العدو لهزيمة جديدة أشدّ قوة من هزيمته في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي… وبالتالي خروج المقاومة بانتصار كبير سيؤدّي إلى تعزيز شعبيتها وقدرتها على فرض شروطها لوقف النار وصفقة تبادل الأسرى، مما سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على الكيان الصهيوني، وتفجر الصراعات داخله بشأن المسؤولية عن الهزيمة، ومحاسبة نتنياهو وحكومته الأكثر تطرفاً، والتي بدأت منذ الآن بتحميله مسؤولية الفشل، مما قد يقود نتنياهو إلى السجن على غرار ما تعرّض له سلفه رئيس وزراء العدو يهود أولمرت بعد هزيمة العدو في حرب تموز عام 2006…
الأمر الثاني، فشل الاحتلال، بعد ثمانية عشرة يوماً على عدوانه، في إفراغ شمال قطاع غزة من أبنائه، وتهجيرهم إلى جنوب القطاع لاستكمال تدمير ما تبقى من أبنية سكنية في الشمال تمهيداً لاجتياح قواته، وهذا يعني أنّ الشعب الفلسطيني في غزة أحبط هدف الاحتلال في تنفيذ مخططه لإحداث نكبة فلسطينية ثانية، انتقاماً لهزيمته ولأجل حرمان المقاومة من بيئتها الشعبية الحاضنة لها، وتعبيد الطريق أمام جيش الاحتلال لتحقيق هدفه في القضاء على المقاومة والتخلص منها وتغيير الوضع في قطاع غزة لمصلحته، وصولاً إلى فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته وحرمانه من الحصول على ايّ حق من حقوقه الوطنية المغتصبة.
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن لنا تفسير أسباب المأزق الكبير الذي دخل فيه كيان العدو وقادته الذين باتوا أمام خيارات صعبة مرتبكين ومتردّدين في الإقدام على شن هجومهم البري، نتيجة فشلهم في النيل من قوة وقدرات المقاومة، وصمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بمقاومته والالتفاف حولها، ولهذا يواصلون انتقامهم بارتكاب المزيد من المجازر الوحشية…
نسخ الرابط :