يطلب «التيار الوطني الحر» في بيانه الأسبوعي عن الحوار المنتظر أن يدعو إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري أن «يتمّ حصره بموضوع الإنتخابات الرئاسية وبرنامج العهد ومواصفات الرئيس وبفترة زمنية ومكان محدّدين، وأن يكون غير تقليدي ومن دون رئيس ومرؤوس، بل بإدارة محايدة ويأخذ شكل مشاورات وتباحث ثنائي وثلاثي ومتعدّد الأطراف، بين رؤساء الأحزاب أصحاب القرار للوصول إلى انتخاب رئيس إصلاحي على أساس البرنامج الاصلاحي المتّفق عليه، على أن يلي ختام الحوار عقد جلسة انتخابية مفتوحة بمحضر واحد يتمّ فيها امّا انتخاب الشخص المتّفق عليه او التنافس ديموقراطياً بين المرشحين المطروحين».
ماذا يفهم من تلك «الديباجة»؟
يقول بعض المعنيين إنّ خلاصتها تكاد تختصر بكلمة واحدة: لا حوار قريباً. لم يلتقط هؤلاء أي إشارة إيجابية من جانب رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي قفز على حبال الحوار، يمنة ويسرة، من خلال الترحيب به تارة، وتطويقه بحزام ناسف من الشروط طوراً، تاركاً لنفسه منفذاً للهروب من مواجهة هذا الاستحقاق لا سيما وأنّ القوى المسيحية المعارضة حسمت خيارها برفض الجلوس إلى طاولة مستديرة في ظلّ الشغور الرئاسي، بحجة عدم تكريس الحوار كممر إلزامي لمعالجة الخلافات السياسية والاستحقاقات الدستورية. ولدى باسيل الكثير من الأسباب التي تدفعه إلى عدم مجاراة بري في مشروعه الحواري.
هذا يعني، أنّ مبادرة رئيس مجلس النواب تترنّح، وتواجه أفقاً مسدوداً اذا استمرّ الرفض من جانب القوى المسيحية، على اعتبار أنّ التئام الطاولة في ظلّ اعتكاف هذه القوى، سيجعل منها مشروعاً أعرج غير قابل للحياة أو لتحقيق أهدافه. هكذا، يُفهم أنّ تعويل الإدارة الفرنسية على مساعي بري لجمع اللبنانيين في جلسة مشتركة من شأنها أن تخرق الجمود الرئاسي، سيواجه انتكاسة جديدة، تنضمّ إلى ما تعرّضت له المبادرة الفرنسية من انتكاسات متتالية... وكان آخرها خلال اجتماع الخماسية في نيويورك نتيجة اصرار باريس على تمديد مهلة مسعاها الرئاسي فيما ترى واشنطن أنّ كل محاولات باريس باءت بالفشل وصار لزاماً عليها أن تتراجع لمصلحة مقاربة جديدة.
في الواقع، أعاد الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان إلى بيروت في جولة رابعة، أم لم يعد، فقد فهم كل من التقى وزير خارجية فرنسا السابق في زيارته الأخيرة، أنّ المبادرة الفرنسية بنسختها الأولى طويت نهائياً، بفعل الانسداد المحلي والاقليمي والدولي الذي تواجهه، ما يحول دون المضي بها ولو لسنتيمترات. وهي الخلاصة التي تبلّغ بها رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية بشكل مباشر، كما الثنائي الشيعي. أمّا التمسّك الأخير بترشيح القطب الزغرتاوي، فهو لاعتبارات كثيرة تبدأ بالعامل الخارجي بعدما صار الاستحقاق واحداً من الملفات العالقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران وبين الأخيرة والسعودية، ولا تنتهي بالمعركة الرئاسية بحد ذاتها ومصيرها وبتكتيك التفاوض وشروطه التي تستدعي عدم التنازل عن أي ورقة قبل الحصول على ثمنها.
وطالما أنّ أفق مبادرة بري، مسدود، أقله إلى الآن، فهذا سيقود حتماً إلى استمراره في سياسة إقفال أبواب مجلس النواب، وترك «سكور» الجلسات الرئاسية، عند عتبة الجلسة 12 التي عقدت في 14 حزيران الماضي، ولو أنّ بعض المواكبين يعتقدون أنّ بري قد يحفظ ماء وجهه من خلال تحديد موعد لجلسة جديدة «شكلية» في مضمونها ومسارها لكونها لن تقدّم ولن تؤخر. ويكون بري قد أدى قسطه للعلى، أمام الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر أنّ المدخل لإنجاز الرئاسة يكون من خلال تشريع أبواب البرلمان لدورات انتخابية متواصلة.
بهذا المعنى، يقول بعض المواكبين إنّ دعوة مساعدة وزير الخارجية الأميركيّ لشؤون الشرق الأدنى بربارة ليف إلى «حوار لبنانيّ لبناني»، تنمّ عن اعتقاد بعض المسؤولين الأميركيين، كما يقول المطلعون على موقف واشنطن، بأنّ مبادرة بري ستقود حتماً إلى فتح باب المجلس للاتفاق على مرشح جديد بعدما ضُربت حظوظ سليمان فرنجية بحظوظ جهاد أزعور، حيث أنّ اقتراع النواب في الجلسة المرتقبة، سيكرّس توازن الرعب داخل البرلمان باعتبار ان أياً منهما لن يتمكن من تخطي عتبة الـ65 صوتاً، ما سيقود حتماً إلى البحث عن مرشح توافقي. وهذا مغزى الدعوة إلى الحوار.
ومع ذلك، لا تبدو تلك الدعوات قابلة للتقريش. الاستعصاء الرئاسي قائم إلى زمن غير محدد.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :