لا يبدو أن الطريق معبّد أمام التئام طاولة الحوار لجمع الكتل النيابية، إذا تُركت الأمور للقوى السياسية المنقسمة على نفسها. وثمة أكثر من فريق مسيحي لا يبدي الحماسة المطلوبة للمشاركة في هذا النوع من اللقاءات حيث لا يرى فائدة من هذه الخطوة مع ملاحظة ليونة أكثر عند “التيار الوطني الحر” مقارنة برئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الرافض لهذا الحوار حيث إن الطريق الأقرب في رأيه لإتمام الاستحقاق هو التوجّه الى البرلمان ودخول النواب في جلسات مفتوحة وعلى دورات متتالية.
وبعدما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عدم استعداده لترؤس طاولة الحوار وإبلاغه الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان بهذا الأمر، طرح أكثر من سؤال عمّن يتولى إدارة هذا الحوار في حال انعقاده سواء كان بإرادة محلية غير متوفرة أو خارجية.
في غضون ذلك، جرى التداول قبل القمة العربية في جدة بإمكان استبدال طاولة الحوار بـ”استشارات نيابية” برئاسة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي لم يحسم خوضه هذه المهمة قبل التأكد من موافقة الأفرقاء وأن لا تكون استعراضية ومن دون جدوى. ومن غير المطلوب أن تكون هذه الاستشارات على شكل طاولات الحوارات التقليدية منذ عام 2006.
وعندما فاتح بو صعب بري بهذا المخرج طلب منه التريّث في انتظار ما ستخلص إليه حصيلة المساعي الفرنسية وعدم التأثير سلباً على حركة لودريان. ولا يعترض بري في الأساس على أي شكل من ولوج الحوار وخوضه من دون وضع شروط مسبقة من أي جهة. ولاقت دعوة تلاقي النواب في مشاورات ثلاثية أو رباعية على مستوى الكتل الكبرى والرئيسية قبولاً عند عدد من الجهات في مقدمها حزب الله الذي لا يوفر نوابه وكوادره مناسبة وخصوصاً في الأيام الاخيرة إلا يتطرقون فيها الى ضرورة سلوك أبواب الحوار حتى لو كان تحت مظلة خارجية.
وكان بو صعب في إطار جولاته على رؤساء الكتل واجتماعاته مع مرشحين للرئاسة تبلغ من المرشح الوزير السابق سليمان فرنجية في بنشعي بأنه يرحّب بالتوجّه الى هذا النوع من المشاورات من دون وضع أي شروط مسبقة. وسمع بو صعب الكلام نفسه من كتلة “الاعتدال الوطني” وعدد لا بأس به من النواب السنة الآخرين. وتبقى كتلة “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط في مقدم الكتل التي تدعو الى كل أشكال الحوارات حيث ترى أن التفاهم على اسم رئيس الجمهورية هو المفتاح الذي يشكل الحل الوحيد لإنجاز عملية الانتخاب بدل الغرق أكثر في أشهر الشغور. وثمة من يعتقد أن الموقف الحنبلاطي هو تخلٍّ بطريقة غير مباشرة عن المرشح جهاد أزعور. وبذلك تتساوى أصوات الأخير مع فرنجية الذي تواصل خليّته الرئاسية العمل على أكثر من خط بغية تحصين حضور مرشحها حيث تعوّل على تسوية تصبّ في مصلحته إذا جرى إنضاجها بحسب طموحات “تيار المردة” الذي لا يزال يستند الى الدعم الفرنسي وثبات ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” في مواصلة دعمه له وعدم التوجه الى أي حوار يضع شرطاً مسبقاً يقول بإزاحة فرنجية من المواجهة على أن يقبلوا بنقاش كل الطروحات والأسماء المرشحة من فرنجية وأزعور وغيرهما. ولكن “تيار المردة” لم يتلق بارتياح موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي عند إشارته قبيل جلسة الانتخاب الرقم 12 وبعدها الى مباركته في أكثر من عظة وتصريح الإجماع المسيحي الكبير على أزعور الذي تبيّن أنه يحظى بقبول عند الراعي في إطار سعيه الى إنجاز الانتخابات اليوم قبل الغد.
ولم تؤدّ هذه الملاحظة من فريق فرنجية الى أزمة مع رأس الكنيسة المارونية الذي يحرص على تكرار كلام سياسي دافئ حياله.
وتبقى “القوات” هنا في صدارة القوى المعارضة للحوار ولها أسبابها بحسب نائب زحلة جورج عقيص الذي يشدد على اتباع الآلية الواضحة لانتخاب رئيس الجمهورية بدل استمرار “الكتل الممانعة” في تعطيل نصاب الجلسات. ويردّ عقيص الاتهامات الموجهة لحزبه برفض الحوار بدعوته لهم أولاً الى إسقاط شرط ترشيح فرنجية وقول الداعمين له إنه “لم يعد مرشحنا”. ويعترض على خلق أنماط دستورية وأعراف من هنا وهناك لن تؤدّي طروحاتها في النهاية الى انتخاب رئيس، “ونحن كل ما نطلبه هو الاستمرار في جلسات متتالية بالمرشحين المعروفين وليربح من يربح، ويتوجّه الخاسر الى المعارضة. ويكرّر عقيص أن “القوات” لن تبحث في الدعوة للحوار والرد عليها قبل التأكد من التخلّي عن فرنجية.
ورداً على سؤال: ألا يشكل هذا الأمر “إعداماً” سياسياً لفرنجية لا يستقيم مع الديموقراطية؟ يردّ عقيص “ليستمروا في ترشيحه ولا يفرطوا النصاب وينتخبوه، ونقبل به رئيساً في انتخابات ديموقراطية”.
وبالعودة الى طرح عقد هذه المشاورات برئاسة بو صعب فإن من لا يعترض عليها يعتقد بأن انتظار الجهود التي يبذلها الخارج، وخصوصاً من جانب باريس التي تشكل محور المجموعة الخماسية قد لا يؤدي بحصيلة تحرّكها الى النتائج المرجوّة حيال الاستحقاق الرئاسي الذي يتجه نحو المزيد من المراوحة وتشبّث الأفرقاء بمواقفهم. وتقول مصادر نيابية تؤيد حصول هذه المشاورات إنه ليس بالضرورة أن تحظى بموافقة النواب الـ128، حيث في الإمكان السير بطرح المشاورات إذا نالت تأييد ثلثي البرلمان أي 86 نائباً وإن كان من الأفضل إتمام هذه العملية بمباركة كل أعضاء مجلس النواب الذي دخل في إجازة مفتوحة أكثر في انتظار ما سيعود به لودريان في تموز المقبل.
نسخ الرابط :