كتب رشيد حاطوم
في خضم العاصفة التي تجتاح لبنان، تتعالى صيحات مدّعي الدفاع عن السيادة، لكن الوقائع تكشف أن بعض هذه الصيحات لا تعدو كونها أقنعة تخفي خلفها ولاءات خارجية ومصالح ضيقة. وفي كشفٍ بالغ الأهمية، يستند فخامة رئيس الجمهورية إلى شهادات مسؤولين أميركيين أنفسهم ليحذر من أن بعض اللبنانيين "يبخون سما" على بلدهم في المحافل الدولية، فيتحولون هم أنفسهم إلى مصدر للأخبار المسيئة وتشويه صورة وطنهم.
إنها المفارقة المؤلمة: سياسيون يرفعون راية الدفاع عن السيادة في الداخل، بينما يتسللون في الخارج إلى معسكرات المعتدين ليقدموا لهم سموم التشويه على طبق من ذهب! وكما يؤكد الرئيس، فإن "بعض اللبنانيين لا يرحمون حتى أنفسهم"، وأن هناك "فئة من اللبنانيين همها تشويه الصورة"، في تحول خطير يجعل من الهوية اللبنانية أداة للتمزق بدلاً من أن تكون مصدراً للقوة.
والأخطر من ذلك، أن بعض وسائل الإعلام اللبنانية قد ذهبت في تماهيها مع العدو إلى حدّ لم يعد يكتفي ببث السموم، بل تحوّل إلى منابر للتماهي مع رواية العدو والصهيوني، لا بل تجاوز ذلك إلى التطبيل لسياسات المحتل ومشاريعه التقسيمية. إننا أمام ظاهرة إعلامية شاذة تقدم الأخبار المزيفة على أنها حقائق، وتبيع الأكاذيب على أنها أخبار، وتعمل على تبييض صفحة المعتدين بينما تشوّه صفحة المدافعين عن الأرض.
ولعل الموقف من الجيش اللبناني خير شاهد على هذه التناقضات، فبينما تتصدر قيادة الجيش بجدارة صفحة الشرف برفضها الانصياع لمطالب العدو الإسرائيلي، نرى بعض رؤساء الأحزاب يتسابقون لاتهام هذه المؤسسة الوطنية العريقة بالتقصير! وكأن الوطنية عند هؤلاء تقاس بمدى الانبطاح للأجنبي، ومدى استعدادهم "لبخ السموم" على مؤسسات بلدهم في الخارج.
إن الممارسة السياسية في لبنان، للأسف الشديد، تحولت إلى لعبة بلا قواعد، ومسرح للانتقام من الشرفاء. فبدلاً من أن تقوم على ثوابت واضحة، نراها تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات، حيث يتحول "بخ السموم" في الخارج إلى سلعة سياسية رائجة.
فيا أيها الشرفاء في لبنان:
إن معركة السيادة والكرامة لا تُخاض في الداخل فقط، بل تمتد إلى كل منبر دولي وكل محفل دولي. فلنواجه خصومنا بالحق والصدق، ولنكشف زيف المدّعين والمنافقين. فلبنان الذي قدم الشهداء لن يكون أبداً سلعةً رخيصة في أسواق السياسة الدولية، ولن تكون كرامته مادةً للتفاوض أو المساومة.
إن مستقبل لبنان لن يبنيه "بخاخو السموم" في المحافل الدولية، ولا المصفقون للأجنبي، ولا إعلاميون تائهون عن رسالتهم، بل سيبقيه الراسخون في أرضهم، المدافعون عن حقيقته، الحاملون لرسالته. فلبنان أغلى من أن يباع بثمن بخس، وأعز من أن يُقدم على طبق من ذهب لأعدائه.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :