قبل عامين طرحت روسيا مبادرة لاعادة النازحين السوريين من داخل سوريا وخارجها في دول الجوار، حيث كثافة النزوح اليها، وسعت الى تسويق الفكرة، دون وضع آليات لتطبيقها، لأن العودة لمن خرج من بلدته ومدينته، لها أسباب مرتبطة باعادة اعمار ما تهدم، ثم في تأمين البنى التحتية، وخلق حياة كريمة، بتأمين فرص العمل، واحتياجات اساسية فقدتها سوريا خلال الحرب، التي تراجعت حدتها في الكثير من المناطق، وبات الكثير منها آمناً، باستثتناء محافظة ادلب او اجزاء منها وشرق الفرات.
والعودة الآمنة للنازحين هي في صلب المبادرة الروسية، التي جرى الاتفاق عليها في المؤتمرات التي عقدت بشأن الازمة السورية، وطرق حلها، وكان آخرها في مؤتمر سوتشي الذي حضرته روسيا وتركيا وايران، والذي سعى الى وقف الاعمال العسكرية، وتخفيض التوتر واجراء المصالحات، وتسهيل عودة النازحين، لكن لم يتم الالتزام بما تم التوصل اليه، بحيث حصلت خروقات للاتفاق في اكثر من منطقة وغالبيتها في ادلب وشمال وشرق سوريا.
وروسيا المهتمة بسوريا كحليف استراتيجي لها، منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، في اطار معاهدة بينهما، التي بموجبها اتت بقواتها العسكرية الى سوريا لمنع سقوطها بيد الجماعات الارهابية، وفق مصدر دبلوماسي روسي، الذي اكد ان روسيا ومنذ الاتحاد السوفياتي، تعتبر وجودها في قاعدة لها في طرطوس على البحر الابيض المتوسط، هو حماية لمصالحها، وان مشاركتها في القتال الى جانب الجيش السوري المدرب من خبراء روس ويعتمد على السلاح الروسي، وهو ما يعطي روسيا هذا الدور الفعال في سوريا، التي ردت قيادتها باستمرار التحالف الاستراتيجي قائماً، ولم ترضخ لكل الضغوط بأن تضر بموسكو ومصالحها، لا سيما في النفط وأنابيبه.
لذلك هذا الاهتمام الروسي بسوريا، بأن يبقى نظامها العلماني واللاطائفي كخط دفاع عن الاتحاد الروسي بمواجهة الجماعات الارهابية، التي تقوم بأعمال تخريبية واجرامية في عدد من المدن الروسي، وتتحرك في جمهوريات آسيا الوسطى في القوقاز والشيشان، اذ يقول المصدر الدبلوماسي إن الحرب الأميركية على سوريا، هي نفسها على روسيا، التي سعت الى حل للأزمة السورية في جنيف بالاتفاق والتعاون مع واشنطن منذ العام 2012، لكنها كانت تعطل الحلول السياسية وتشجع مجموعات ارهابية على استئناف المعارك العسكرية للضغط على القيادة السورية لتقديم التنازلات، الا ان تحقيق الجيش السوري مع حلفائه، لا سيما القوات الروسية، نجاحات ميدانية، واستعادة اجزاء كبرى من سوريا، وفّر المناخ لوقف الابتزاز الأميركي خصوصاً، والغربي الأوروبي عموماً، وهو ما شجع موسكو على أن تطاح مبادرة عودة النازحين المتلازمة مع اعادة الاعمار، واجرت اتصالات مع كل الدول لا سيما الولايات المتحدة التي وافقت على قرار مجلس الامن 2254 الصادر قبل سنوات، بوقف القتال في سوريا، واعتماد ورقة الحل في جنيف، والتأكيد على وحدة سوريا وتعزيز الدولة ومؤسساتها، ونظامها العلماني.
لكن الدعوة الروسية لمؤتمر عودة النازحين التي وجهت لنحو 170 دولة، وعملت أميركا على الضغط على الدول لمقاطعته، ونجحت في ذلك، لابقاء ملف النازحين ورقة ابتزاز بيدها، هي ودول اخرى كتركيا وأيضاً أوروبية وربط العودة بالحل السياسي، والاعمار ببقاء النظام او رحيل الرئيس بشار الاسد، لكن روسيا وقفت ضد الضغوط الاميركية وعقدت المؤتمر في حضور 28 دولة من بينها لبنان الذي كان السبّاق في العودة الآمنة للنازحين، وليست الطوعية، ورفض ربط العودة بالحل السياسي، وهو ما ركز عليه وزير الخارجية شربل وهبه في كلمته عبر «السكايب» ووزير الشؤون الاجتماعية الدكتور رمزي مشرفية المكلف ملف النازحين السوريين، وزار دمشق بعد تعيينه للبحث مع مسؤولين فيها بالحلول والآليات للعودة، وهو يحضر المؤتمر معززاً بقرار رسمي، لأن من مصلحة لبنان عودة النازحين الذي كبدوا الخزينة عشرات مليارات الدولارات، واعباء اجتماعية وصحية وتربوية وأمنية.
ان مؤتمر عودة النازحين السوريين انعقد بالرغم من محاولة أميركية لتعطيله، وان المناقشات فيه فتحت الباب أمام حلول لن تكون سهلة التنفيذ، لأن فاتورة عودتهم مكلفة جداً، دون دعم خارجي لا يخضع للابتزاز.
كمال ذبيان
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :