يُغلَق منتصف ليل اليوم الثلاثاء 15 آذار 2022 باب الترشيحات الرسمية للانتخابات النيابية المحددة بعد شهرين من اليوم. واعتبارا من يوم غد، ستبدأ مباريات التصفية، فينسحب من المرشحين من تُسَدُّ طريقه للانضمام إلى لائحة انتخابية، ويبقى في الميدان من يحالفه الحظ، ويظفر بلائحته تستقبله عضواً فيها.
ومع إقفال باب الترشيحات، يُمنحُ المرشحون رسمياً مهلة عشرين يوما تنتهي في 5 نيسان المقبل لحسم خياراتهم في الانسحاب من المعركة أو البقاء في الميدان تمهيداً للانخراط في لوائح متنافسة، وذلك وفق ما تنص عليه المادة 52 من قانون الانتخاب الحالي، والتي جاء فيها ما حرفيّته: «يتوجّب على المرشحين ان ينتظموا في لوائح قبل اربعين يوماً كحد اقصى من موعد الانتخابات، على ان تضم كل لائحة كحدّ أدنى 40 % من عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية، بما لا يقل عن 3 مقاعد، وعلى ان تتضمن مقعدا واحدا على الاقل من كلّ دائرة صغرى في الدوائر المؤلفة من اكثر من دائرة صغرى، ويعتمد الكسر الاكبر في احتساب الحد الادنى في الدوائر ذات المقاعد المفردة».
عملياً، بات في الامكان القول إنّ ساعة الجد قد اقتربت، وفترة العشرين يوما المحددة لتركيب اللوائح هي الاصعب بالنسبة الى شريحة كبيرة من المرشّحين غير الحزبيين، ومن بينهم بالتأكيد من سيُسعفه حظّه بالانضمام الى إحدى اللوائح، ومن بينهم كثر ممّن سيُخذَلون ويجدون انفسهم خارج اللوائح، فيخرجون تلقائياً من المعركة، ويُخرِجون معهم ما اطلقوه من شعارات وعناوين كبرى على مدى اشهر طويلة.
وأشارت "الجمهروية" الى ان إذا ما نظرنا الى سطح المشهد الانتخابي، وكذلك الى مواقف الاحزاب والقوى المتصارعة، يتبين جلياً ان كل طرف يدّعي الربح المسبق والحاسم في انتخابات ايار. وهذا الادعاء قد حكم هذا المشهد منذ انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، عبر العناوين الكبرى التي اثيرت فيها، وشكّلت وقوداً للحراكات التي تلتها. ولكن ما هو على السطح من مبالغات، تُناقضه الوقائع الموضوعية والاحجام الحقيقية لكل طرف على ارض الواقع.
ومن هنا، يبدو أنّ كل الاطراف تلعب دورين على المسرح الانتخابي، ففي العلن وعلى المنابر تظهر نفسها واثقة من الفوز وانها تسير بخطى ثابتة نحو الحسم، وتحقيق سيل الوعود التي اطلقتها في الشوارع. اما في دواخلها، فتتبدى حقيقة صادمة تؤكد أن كل هذه الاطراف مُربكة ومحشورة، بعجزها عن تحقيق التغيير الذي نادت به، وبأن صياغة التحالفات بين هذا الطرف او ذاك ليست باليسر الذي توقعته، فدونها شروط من هنا وهناك، تصعّب عقد هذه التحالفات، وبلوغ لوائح مكتملة في الكثير من الدوائر.
وبمعزل عن الخطاب المنبري والكلام الكبير الذي يُساق فيه لزوم الشحن الانتخابي للحزبيين والمناصرين التقليديين، فإنّ المزاج الشعبي الذي تأثّر بالشعارات ووعد بالتغيير وإحداث انقلاب جذري في الخريطة النيابية القائمة في المجلس النيابي الحالي، هو، وفق ما تؤكد دراسات واستطلاعات اصحاب الاختصاص في مجال الانتخابات، مُصاب بإحباط حقيقي بعدما تَوضّحت امامه الصورة، وتبيّن له بما لا يقبل أدنى شك ان العناوين التغييرية التي رفعت على مدى اشهر طويلة قد تبدلت وتقزّمت، وانّ الهدف الاسمى للاحزاب التي استثمرت عليها لأشهر طويلة، هو الذهاب، ليس الى معركة كسر عظم وقلب موازين سياسية ونيابية، بل أقصى ما تريده هذه الاحزاب، هو خوض معركة انتخابية شرسة لتجميع «حَواصل» تمكّنها من الحفاظ على احجامها النيابية على ما كانت عليه في المجلس الحالي لا أكثر ولا أقل.
وتحت هذا العنوان، سيدور الصّخب السياسي خلال الشهرين المقبلين، والاجواء تؤشر الى ان الفترة المتبقية من الآن وحتى موعد اجراء الانتخابات ستكون ذروة في الشراسة في بعض الدوائر، وخصوصا بين الاحزاب المتصارعة على موقع التمثيل الأول والاقوى في الطائفة، وليس سرّاً الصراع المحتدم بين حزب «القوات اللبنانية» والتيار الوطني الحر على اكثرية نيابية يتربّع من ينالها في موقع الاقوى مسيحياً.
على انّ الثقل الاكبر الذي تعانيه القوى السياسيّة والحزبية، هو ان انحدار الازمة وآثارها السلبية التي ضربت المواطنين في كل المناطق، نزعت ثقته بأي برنامج انتخابي لأي من هذه القوى السياسية التي يتهمها بأنها كانت السبب في بلوغ حاله هذا المستوى من الاهتراء، او شريكة في ذلك، وهو ما يدفع بشريحة واسعة من الناخبين الى الإحجام عن المشاركة في عمليّة الاقتراع، وهو الامر الذي يزيد من حشر هذه القوى في معركتها للحفاظ على احجامها، وهذا الاحجام الذي تتقاطع على تأكيده مختلف الدراسات والإحصاءات، حيث ترى ان انتخابات 15 ايار ستكون الادنى من حيث نسبة الاقتراع، بين سائر الدورات الانتخابية التي جرت في لبنان بعد الطائف.
واذا كانت كلّ المؤشرات والإستطلاعات تؤكّد أنّ الثّنائي الشّيعي يذهب إلى معركة سهلة في الدوائر المشتركة بينهما من بعبدا الى الجنوب والبقاع الغربي وصولا الى بعلبك الهرمل، بحيث تبدو هذه الدوائر مغلقة وصعبة الاختراق، تنتظر هذا الثنائي معركة حامية في بضع دوائر تعتريها بعض الصعوبة، ولا سيّما في جزين وزحلة وبيروت الثانية وجبيل، علما ان اوساطه تؤكد ان المقاعد الشيعية في هذه الدوائر مضمونة لحركة «أمل» و»حزب الله».
وفي الموازاة تبدو الصور ة السنية الأكثر إرباكا وضبابية، بعد انكفاء تيار المستقبل عن المشهد الانتخابي، وهو الامر الذي لم يبرز حتى الآن قيادة بديلة للمستقبل تشكل جاذباً يستقطب النّاخب السنّي.
وعلى ما تؤكد الاستطلاعات الانتخابية، فإن المزاج السنّي ليس معنيا بكل الدعوات التي تتوالى من قبل بعض المراجع السنية الى عدم المقاطعة. فالإحجام عن المشاركة سيشكل النسبة الأعلى، خصوصا ان المزاج السنّي متأثر في جانب اساسي منه بخروج الرئيس سعد الحريري من المعركة، ومُنسجم مع دعوته الى عدم المشاركة لا ترشيحا ولا اقتراعا، وعدم التفاعل انتخابيا مع اي مبادرات انتخابية تقدم عليها قيادات سنيّة خارجة من رحم تيار المستقبل. وتبعاً لذلك، فإنّ ما ينتظر الدوائر السنيّة معارك ومنافسات ستفرز واقعا سنيا نيابيا جديدا مغايرا لصورة التمثيل السني التي ثبتت منذ انتخابات العام 2005 وحتى اليوم.
ولفتت "الجمهورية" الى ان وفق الاستطلاعات عينها، تتبدّى معارك شديدة الصعوبة، وخصوصا امام الحزب التقدمي الاشتراكي في الشّوف تحديداً بعد خسارة الرافعة السنيّة التي كان يشكلها تيار المستقبل، وهو الامر الذي يعزّز من حظوظ خصوم وليد جنبلاط على امكانية تحقيق بعض الاختراقات. والصعوبة نفسها تتبدّى امام الاشتراكي في امكان الحفاظ على مقعديه في بيروت والبقاع والغربي.
أما الصراع العنيف، وكما هو واضح، فمركّز في الدوائر المسيحية، فالتيار الوطني الحر و»القوات اللبنانية» أمامهما جبهات صداميّة مفتوحة في كل الدوائر المشتركة بينهما، بفارق انّ التيار مُستند في بعض الدوائر على حليفه «حزب الله» الذي يشكل له رافعة في بعبدا وجبيل وزحلة. فيما معارك «القوات» تبدو اكثر حماوة، بدءا من الدائرة الاصعب في المتن، وكذلك في الاشرفيّة التي لا تقل صعوبة خصوصاً ان المنافسة ليست مع التيار الوطني الحر فقط، بل مع سائر الاحزاب المسيحية وكذلك مع المجموعات المدنية التي تسعى لإثبات وجودها وتحقيق خروقات، والحال نفسها في كسروان جبيل. أمّا أمّ المعارك فتتبدّى في الدائرة التي تقع البترون من ضمنها، تُضاف إليها معركة صعبة في البقاع الشّمالي وعكار.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :