"لبنان بين عيدٍ يُرفع فيه العلم… وواقعٍ تُرفع فيه الوصاية"
سومر أمان الدين
عن أيّ استقلالٍ نتحدّث....؟
في مثل هذا اليوم، يخرج البعض ليعلّق الأعلام، ويتغنّى بلبنان “المستقلّ”، ويعيد ترداد سرديّاتٍ محفوظةٍ عن “أبطال الاستقلال” و“الجلاء العظيم”. لكنّ السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرَح بلا مواربة هو: عن أيّ استقلالٍ نتحدّث؟
نعم، خرج الفرنسيّون من بيروت، لكنّ الخروج العسكري لا يعني بالضرورة تحرّرًا سياسيًّا أو سياديًّا. فإذا كان الانتداب قد انتهى سنة 1943، فإنّ انتداباتٍ أخرى قد بدأت: سعوديّة تُملي، وأميركيّة تُعاقب وتضغط، وعربيّة وغربيّة تتدافع على رسم القرار اللبناني كما تشاء.
فأين هو الاستقلال حين يُصاغ موقف الدولة في عواصم غير عاصمتها؟
وأين هو معنى “الحرّيّة” إذا كان لبنان ينتقل من حضن وصاية إلى أخرى، كمن يخرج من باب سجن ليدخل بابًا أشدّ ضيقًا؟
الحقيقة المُرّة أنّ الاستقلال ليس يومًا في الروزنامة، ولا نشيدًا نردّده، بل هو قدرة وطنٍ على أن يقرّر مصيره بنفسه… وهذه القدرة مفقودة حين يكون القرار مرتهنًا، والسيادة مثقوبة، والدولة واقفة على عتبة السفارات.
ولنحافظ على استقلال لبنان… علينا أولًا أن نحمي سيادته.
وسيادة الأوطان لا تُحفظ بالشعارات، ولا تُصان بالخطابات ولا بالاحتفالات. إنّ السيادة تحتاج قوّة، والقوّة تحتاج إمّا جيشًا مُجهّزًا ومسلّحًا بما يليق بوطن صغير ولكنّ تاريخه كبير… أو، في ظلّ هذا الحرمان المزمن، مقاومةً تحمل عبء الدفاع وتسدّ الفراغ القاتل الذي تركته الدولة لعقود.
ولنقلها بصراحة كاملة:
لا معنى للاستقلال إذا كان الوطن بلا درع.
ولا معنى للسيادة إذا كان العدوّ، من جنوب لبنان إلى قلب المنطقة، يقرّر الحرب والسلم وحده.
ولا معنى للبنان من دون قوة تمنع الاعتداء، وتردّ الصاع صاعين، وتُفشل كل مشروعٍ لابتلاع ما تبقّى من البلاد.
هكذا فقط يُحمى الاستقلال: بسيادة فعلية، وبقرار لبنانيّ خالص، وبقوّة تحفظ الكيان لا بدولة تستورد أمنها ووجودها.
أمّا حكاية “أبطال الاستقلال”، فمن حقّ التاريخ أن يُروى كما هو، لا كما أرادت السلطة أن تكتبه في كتب المدارس. فبدل أن يكرّر الناس أسماء صُنعت في مطابخ السياسة، فلينظروا إلى بطل الاستقلال الحقيقي، الذي دفع حياته ثمنًا لمواجهة الانتداب، لا لتقاسم المناصب بعد رحيله.
سعيد فخر الدين… الرفيق في الحزب السوري القومي الاجتماعي،
الرجل الذي واجه الفرنسيّين دفاعًا عن السيادة الحقيقيّة،
الذي قاتَل حيث هرب الآخرون،
والذي سقط شهيدًا لأنّه رأى الاستقلال فعل تضحية لا موقعًا وزاريًّا.
هو، لا غيره، بطل الاستقلال الأوّل.
وهو شهادة بأنّ الاستقلال لا يمنحه أحد، ولا يُنتزع بابتسامةٍ من حاكمٍ أجنبي، بل يُكتب بدماء المقاومين… وبوعي شعبٍ يعرف أنّ الحرّيّة لا تُهدى، بل تُصنع.
فليكن عيد الاستقلال هذا العام مناسبة لنسأل أنفسنا:
هل نريد استقلالًا يُرفع في الكلمات… أم استقلالًا يُحمى في الميدان؟
هل نريد وطنًا حرًّا… أم وطنًا يستأجر سيادته من الخارج؟
وهل نريد تاريخًا مزوّرًا… أم حقيقةً تقول إنّ من يدافع عن لبنان اليوم هو امتدادٌ لأولئك الذين صنعوا استقلاله الحقيقي بالأمس؟
الاستقلال ليس ذكرى… الاستقلال قرار.
وقرارنا أن يبقى لبنان حرًّا، سيّدًا، قادرًا… مهما تغيّرت الوجوه وتعدّدت الوصايات.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي