80 ألف طالب رسمي مهدّدون بالتهجير!

80 ألف طالب رسمي مهدّدون بالتهجير!

 

Telegram

تعيش المؤسّسات التعليمية الرسمية في لبنان، على وقع أزمة غير مسبوقة، تواجهها وزارة التربية، بحلول ترقيعية عاجلة، تحاول عبرها تأجيل انفجار الأزمة قبل أن تفقد المدارس الرسمية والجامعية، القدرة على الاستمرار. فتطبيق قانون الإيجارات غير السكنية الجديد، الذي دخل حيّز التنفيذ عام 2025، جعل عشرات المدارس والثانويات الرسمية، إضافة إلى المباني المستأجرة التابعة للجامعة اللبنانية، رهينة بدلات إيجار متصاعدة تهدّد استقرار العملية التعليمية، مع رفع بعض المالكين مطالب مالية قد تصل أحياناً إلى 30 ضعف ما كانت الدولة تدفعه سابقاً. وتواجه الجامعة اللبنانية تحدّياً مماثلاً، إذ تضم 84 مبنى مستأجراً، يصعب على الإدارة تأمين الأموال اللازمة لدفع بدلاتها وفق القانون الجديد، خاصة وأنّ الموازنة السنوية للجامعة لم تتضمّن الاعتمادات المطلوبة، في حين يضغط بعض الملّاك لتحويل القيمة المستحقّة إلى الدولار الأميركي. في قلب هذه المعادلة المعقّدة، يبقى الطالب اللبناني، رهينة غياب رؤية موحّدة تضمن استمرارية التعليم الرسمي، الذي يبدو مهدّداً أكثر من أي وقت مضى

عندما صدر قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية بصيغته المعدّلة في آب 2025، تنفّست وزارة التربية والتعليم العالي الصعداء. إذ كسبت مهلة إضافية من ثماني سنوات، قبل تحرير عقود إيجار المدارس والثانويات والمؤسسات التابعة إليها، وتخلّصت من مادة «مخيفة» كانت تتيح تقصير المدّة الانتقالية إلى سنتين فقط، في حال وافق المالك على التخلّي عن الزيادات التدريجية. اليوم، كما يقول مدير التعليم الابتدائي جورج داوود، «بات لدينا متّسع من الوقت وفرصة للتفكير بالحلول بهدوء». لكن، ماذا لو تحوّلت هذه المهلة إلى مجرد حقنة مورفين، تُرجئ انفجار الأزمة؟ وهل يكون الحلّ، في غياب الاعتمادات، ترك التعليم الرسمي بأكمله رهينة الاقتصاد الحرّ والعرض والطلب، وربط مصير عشرات آلاف الطلاب بالشروط التي يفرضها مالكو الأبنية المدرسية؟

طوال مدّة مناقشة قانون الإيجارات غير السكنية، لم تستشعر وزارة التربية، حجم الأثر الذي سيتركه على مؤسساتها، ولم تتحرّك إلا بعد صدوره، فبادرت إلى إجراء إحصاء شامل حول عدد المدارس المستأجرة وفق العقود القديمة المبرمة قبل عام 1992، وعدد طلابها وأساتذتها. وبحسب نتائج الاستمارات التي عمّمتها الوزارة على المناطق التربوية وحصلت عليها «الأخبار»، تبيّن أنه من أصل 956 مدرسة رسمية في لبنان، هناك 185 مدرسة مستأجرة قبل 1992، تضمّ 40,558 طالباً و1,674 أستاذاً في الملاك و3,200 متعاقد.

أمّا المدارس المستأجرة بعقود جديدة بعد 1992، فبلغ عددها 130، تضمّ 40,437 طالباً و987 أستاذاً في الملاك و3,200 متعاقد. ويُضاف إلى ذلك 108 ثانويات مستأجرة بعقود قديمة وحديثة. وأظهر الإحصاء أنّ التركّز الأكبر للمدارس المستأجرة هو في الشمال وجبل لبنان، فيما تتميّز بيروت، بأنّ جميع مدارسها المستأجرة مرتبطة بعقود قديمة، باستثناء مدرسة واحدة فقط مستأجرة بعد 1992.

لجنة تفاوض على الأسعار

وبعد صدور القانون، شكّلت الوزارة لجنة لـ«متابعة ودراسة عقود الإيجارات العائدة للمديرية العامة للتربية والمدارس والثانويات الرسمية المؤجّرة لمصلحة الوزارة، والتي أُبرمت قبل عام 1992، والتفاوض مع المالكين للوصول إلى اتفاقات تراعي أحكام القانون الجديد». ويشدّد داوود، على أنّ «مهام اللجنة تقتصر على التفاوض الإداري والتمهيدي، واقتراح السعر الأنسب، وإعداد التقارير والتوصيات، من دون أن يترتّب عليها أي التزام قانوني أو مالي تجاه المالكين».

وتتألف اللجنة من ممثّلين عن مديريات التعليم العام والابتدائي والثانوي، إضافة إلى دائرة المشاريع والبرامج، وتتولّى التفاوض مع الجهة المالكة لتحديد السعر الأنسب لكل مؤسّسة على حدة. علماً أنّ القانون حدّد الزيادات على بدلات الإيجار وفق مسار تصاعدي: 30% من بدل المثل في السنة الأولى، 40% في السنة الثانية، 50% في السنة الثالثة، 60% في السنة الرابعة، ثم بدل المثل كاملاً في السنوات اللاحقة.

يتركّز العدد الأكبر من المدارس المستأجرة في الشمال وجبل لبنان

ويشير داوود، إلى أنه بعد الانتهاء من المشاورات وإعداد التقرير، «يُحال الملف إلى المدير العام للوزارة، ثم إلى اللجنة المركزية التي تضمّ المدير العام، ومديري التعليم الأساسي والثانوي، ودائرة المحاسبة، ومندوباً عن إدارة الأبحاث والتوجيه في مجلس الخدمة المدنية. وفي النهاية نصل إلى محضر تخمين يوقّعه المالك وأعضاء اللجنة، تمهيداً لإبرام عقد إيجار جديد».

لكن، ماذا لو لم يفضِ التفاوض إلى اتفاق على بدل الإيجار؟ يجيب داوود: «يتيح القانون اللجوء إلى المحاكم، لكن هذا لم يحصل حتى الآن. فالوزارة خاضت عمليّتَي تفاوض، وفي كلتيهما تمّ التوافق مع المالكين».

المالكون: الزيادات لا تكفي

أمّا في ما يتعلّق بالمدارس المستأجرة وفق عقود جديدة بعد عام 1992، فقد شُكّلت لجنة وزارية خاصة لدرس الملف وتقديم الاقتراحات اللازمة، على غرار اللجنة المكلّفة بمتابعة العقود القديمة. وصدر في هذا الإطار التعميم رقم 22/2023 بتاريخ 11/9/2023، الذي نصّ على مضاعفة بدلات الإيجار سبع مرات، وهو تعميم لا يزال سارياً إلى حين صدور آخر يحدّد قيمة الزيادات الجديدة.

ويشير داوود إلى أنّ «المالكين لم يعودوا راضين بالسبعة أضعاف التي أقرّت قبل عامين، لأنها لا تزال بعيدة جدّاً عن الإيجارات المعتمدة قبل الأزمة الاقتصادية». ويضرب مثالاً على ذلك: «إذا كان بدل الإيجار السنوي 50 مليون ليرة، أي ما كان يعادل قبل الأزمة نحو 30 ألف دولار، فإنّ مضاعفة المبلغ سبع مرات تجعله 280 مليون ليرة، أي ما يوازي اليوم نحو 3 آلاف دولار». وهذا يعني عملياً أنّ بدل الإيجار تراجع من 30 ألف دولار إلى 3 آلاف دولار فقط. لذلك، «يطالبون بزيادات قد تصل إلى 30 ضعفاً، وهو مطلب يصعب جداً تلبيته، إذ مهما رُفعت البدلات لن نبلغ القيمة الفعلية التي كانت معتمدة قبل الأزمة الاقتصادية». ويشير داوود، في هذا السياق إلى أنّ الوزارة «راسلت مجلس الوزراء وطلبت ضرورة إعادة رفع بدلات الإيجار، مقترحة أن تصل الزيادة إلى 16 ضعفاً»، لافتاً إلى أنّ لجنة وزارية تدرس الموضوع.

وفي حالات نادرة، «يرفض بعض مالكي الأبنية عرض الوزارة القاضي بزيادة بدلات الإيجار سبعة أضعاف، ويطالبون باسترداد المأجور. عندها نطلب منهم إمهالنا حتى نهاية العام الدراسي، ونعمد إلى نقل الطلاب إلى أقرب مدرسة قادرة على استيعابهم وفيها صفوف شاغرة، أو نقوم بدمج الطلاب ضمن الصفوف نفسها، من دون أن يؤدّي ذلك في أيّ مرة إلى الاستغناء عن أساتذة أو موظفين».

وبالتالي، تتفاوض الوزارة مع المالك لتجديد عقد الإيجار، وإذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود ولم يكن خيار نقل الطلاب متاحاً، «لا يتمّ استرداد المأجور بالقوّة، بل نتوجّه إلى القضاء». ويشير داوود، إلى أنّ الوزارة «لم تمضِ حتى الآن في أي دعوى تتعلّق بالمباني المستأجرة».

«حلم» إنشاء المدارس

حتى الآن، تبقى الحلول المطروحة حلولاً ترقيعية و«عالقطعة»، في ظلّ غياب أي مقاربة شاملة تضمن حماية التعليم الرسمي واستمراريته في 325 مدرسة و108 ثانويات مستأجرة. أمّا الطرح القديم المتعلّق بإنشاء مدارس كبيرة أو مجمّعات مدرسية تخلّص الوزارة من عبء الإيجار، فلا يزال مجرد حلم. فصحيح أنّ «لدينا عقارات مملوكة من الدولة يمكن البناء عليها، لكن لا نملك التمويل الكافي لعملية التشييد». وما يجهض هذا الحلم هو تراجع الجهات المانحة التي كانت قد أبدت استعدادها لتمويل المشروع، بعدما توصلت الوزارة معها إلى آلية جديدة تضمن الشفافية وتربط إنشاء المدارس بقانون الشراء العام. إلا أنّ هذه الجهات انسحبت، ولا سيّما بعد أن علّقت الإدارة الأميركية، تمويل المشاريع التي كانت مموّلة عبر وكالة التنمية الأميركية (USAID).

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram