واشنطن وتل أبيب: خصومة مع الجيش وقائده لأنّه يرفض الانصياع

واشنطن وتل أبيب: خصومة مع الجيش وقائده لأنّه يرفض الانصياع

 

Telegram

كتبت الدكتورة رشا ابو حيدر

يشكّل الهجوم الأميركي والإسرائيلي الأخير على الجيش اللبناني وقيادته محاولة جديدة لإعادة تعريف دور المؤسسة العسكرية وفق رؤية خارجية لا تنسجم مع الواقع اللبناني ولا مع تركيبة النظام. ورغم حدّة الاتهامات التي وُجّهت إلى الجيش بحجّة الفشل في نزع سلاح حزب الله، فإنّ هذه الحملة أثبتت أن قراءة واشنطن وتل أبيب للمشهد اللبناني لا تزال محكومة بالسطحية نفسها التي ترافقت مع كل محاولات الضغط السابقة.

منذ انتهاء الحرب الأهلية، لم تُبنَ عقيدة الجيش اللبناني على مواجهة إسرائيل أو أي قوة خارجية بقدر ما بُنيت على مهمّة داخلية: منع تفكك البلد ومنع عودة الحرب. هذه العقيدة – وإن كانت غير مكتوبة – شكّلت الأساس الذي حمى الجيش من الانقسام مجددًا. وبالتالي فإنّ مطالبة المؤسسة العسكرية بخوض مواجهة مع حزب الله ليست مجرد خطوة غير واقعية، بل هي دعوة مباشرة لجرّ الجيش إلى قلب صراع داخلي كان هو نفسه الضحية الكبرى له في الماضي.

العلاقة بين الجيش والمقاومة لم تكن يومًا نتيجة قرار سياسي واضح بقدر ما كانت استجابة للواقع: جيش محدود التسليح والإمكانات في مواجهة عدو متفوق، ومجتمع منقسم لا يحتمل مغامرة داخلية جديدة. لذلك، فإن ما يُسمّى “تقصيرًا” من قبل الجيش في مواجهة حزب الله هو في الحقيقة إدراك لمعادلة السلطة في لبنان، لا تقصيرًا ولا تواطؤًا.

الانتقادات الأميركية – الإسرائيلية تكشف رغبة دائمة في إنتاج جيش بمواصفات تلبّي احتياجات أمنية خارجية، لا احتياجات البلد. فالمطلوب من الجيش اليوم، وفق هذا المنطق، ليس حماية الاستقرار، بل لعب دور أداة مواجهة مع فصيل داخلي يمتلك أكبر قاعدة شعبية في الطائفة الأكبر في لبنان. أي أنّ المطلوب من الجيش أن ينتحر سياسيًا وأهليًا.

ولأن اللبنانيين يدركون تمامًا مخاطر هذا المسار، كان ردّ فعلهم تلقائيًا: الالتفاف حول الجيش وقائده. ليس لأن المؤسسة العسكرية فوق النقد، بل لأن استهدافها في هذا التوقيت بالذات بدا وكأنه محاولة لإدخال لبنان في الحسابات الأميركية – الإسرائيلية تجاه المنطقة، ولو على حساب وحدته الهشة.

والمفارقة أن الجهات التي ترفع شعار "تقوية الجيش" هي نفسها التي ترفض تزويده بالسلاح النوعي، وتكتفي ببرامج دعم تُبقيه في خانة القوة الضابطة، لا القوة الرادعة. ومع ذلك، تتوقع من الجيش أن ينفّذ مهمة لا تجرؤ أي دولة على فرضها على جيشها: نزع سلاح شريحة واسعة من شعبها بالقوة.

إنّ الأزمة الحقيقية ليست في عقيدة الجيش، بل في محاولات تعديلها قسرًا. فالجيش لم يغيّر عقيدته، بل العالم من حوله هو الذي يطالب بتغيير وظيفته في بلد لا يمتلك ترف المغامرات. ولذلك، فإن كل ضغط خارجي لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة: تعزيز قناعة اللبنانيين بأن المؤسسة العسكرية هي آخر ما يجب المساس به، مهما كانت خلافاتهم.

وبدل أن يساهم الهجوم الأميركي – الإسرائيلي في إضعاف الجيش، فقد كشف حدود القدرة على فرض أجندات خارجية على مؤسسة محكومة بمعادلة داخلية صلبة: جيش بلا دور داخلي هو جيش قابل للانهيار، وجيش تُفرض عليه مواجهة المقاومة هو جيش يُدفع نحو تفجير لبنان.

 

 

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram