بين ضجيج الغارات المدمِّرة، والإغتيالات القاصمة، والفراغ الذي فرضه مشهد العدوان، واضطرار مَن تبقى من قيادة الصف الأول الى اتخاذ إجراءات قاسية، أدت الى احتجابهم عن الخطاب المباشِر مع البيئة المستهدَفة والإعلام... قرر العارف بالسياسات والخبير بصياغة الموقف، أن يجعل لسانه مرآة للمقاومة وصدره درعاً لحمايتها...
عندما أطل الحاج محمد عفيف من قلب الضاحية الجنوبية، في قلب المعركة وهدّد وتحدّى "الإسرائيلي"، وسمّى نتنياهو بالإسم.. تلقى رسالة من صديق مضمونها: "إطلالة موفقة وخطوة كبيرة من الإعلام الى السياسة"... فكان ردّه: "خطوة كبيرة من الحياة الى الموت"... وكأنه في كل مسيرته كان يتهيأ لتلك اللحظة. لذلك الدور، الذي تجاوز فيه أصعب الإمتحانات بأصعب مرحلة من مراحل الصراع مع العدو، ونال وسام الشهادة، أرفع رتبة بجهادٍ دام عُمراً بأكمله نذره في مسيرة عاشته أكثر مما عاشها.. في ذلك اليوم وقّع الحاج محمد عفيف الرواية التي كتبها على مدى أربعين عاماً، فهو مَن صنَع خاتمتها بقلمه... ليختم بذلك مسيرته المقاوِمة بصوته الذي عَبَرَ فوق الطائرات الحربية الإسرائيلية ووصل الى عمق الكيان...
لم يكن "صانع الرواية" غافلاً عما ستجلبه هذه المغامرة، بل لعلّه كان يَستجلب الأجل، ولذا يليق به وصف الإستشهادي... أدرك الحاج محمد عفيف أن اغتيال القادة، وضرب القدرات، وتدمير الأبنية وما رافقه من حملات إعلامية داخلية لغت حد الشماتة، كان المقصود منها كيّ الوعي وتشويه الإدراك وسحق الإرادة... هذه هي أهداف المفاجأة الإستراتيجية التي تعمّدها العدو وتلقفها عملاؤه... فما كان من تلميذ مدرسة السيد حسن نصرالله الملاصِق لأنفاسه والمستلهم من شجاعته، إلا أن خرج الى الميدان لا ليملأ الفراغ فقط، بل ليجعل نُطقه درعاً في وجه العدوان، وصوته حافزاً لثبات مجتمع المقاومة، فكان خطابه أعلى من توقعات العدو نفسه، لأن الإسرائيلي كان يريد خفض الصوت ولا يحتمل لغة التحدي، وحين أعلن الحاج محمد عفيف أن حزب الله أمة والأمم لا تموت، حدّد سقفاً للعدوان الأميركي – "الإسرائيلي" يَصعب الوصول إليه. فبدل أن يفرض العدو سرديته وأهدافه، كشف الحاج محمد عفيف عن الهدف المركزي المضمر، وهو "موت فكرة المقاومة"، وقد أثبتت الأيام والأشهر والأحداث التي تلت صدق مقولته... نعم... حزب الله أمة والأمم لا تموت...
لقد قدّم الحاج محمد عفيف نموذجاً للقيادة الإعلامية في الأحداث المصيرية، وبرهن انه يُمكن للإعلامي أن يكون قائداً حقيقياً في الصراعات العسكرية والحروب التاريخية...
فهو كان الصوت الذي لم تستطع الطائرات الحربية الصهيونية إسكاته... والصوت الذي لم تُخِفه التهديدات... والصوت الذي يَعشق التحدي في الزمن الصعب... والصوت الذي لم يرتجف في زمن الرعب الإسرائيلي... والصوت الذي حمل الأمانة بكل صدق ووفاء... أمانة السيد حسن نصرالله الذي عشقه حتى الشهادة...
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :