صـــوتي رهـــينة الطـــريق! ..

صـــوتي رهـــينة الطـــريق! ..

 

Telegram

صوتي رهينة الطريق

بقلم : د. رشا أبو حيدر

في زمنٍ تتبدّد فيه الثقة بالدولة، وتتحوّل السياسة إلى صراع مصالح بدل أن تكون وسيلة تعبير عن إرادة الناس، تعود الانتخابات في لبنان لتذكّرنا بسؤالٍ جوهري: هل ما زال المواطن قادرًا فعلًا على ممارسة حقّه الدستوري في الاقتراع بحرية وسهولة؟

الدستور اللبناني، في مادته الحادية والعشرين، يؤكد أن "لكل لبناني بلغ السن القانونية أن يكون ناخبًا". لكن الواقع يروي حكاية مختلفة تمامًا. فالمواطن الذي يريد الإدلاء بصوته يجد نفسه مضطرًا إلى قطع مسافات طويلة من مكان إقامته إلى بلدته الأصلية، ما يحمّله تكاليف مالية قد تصل إلى مئتي دولار، فضلًا عن ساعات الانتظار والجهد. بهذه الصورة، يتحوّل حقّ الاقتراع إلى عبءٍ اقتصادي، لا إلى ممارسة ديمقراطية.

وراء هذه المعاناة تكمن شبكة نفوذ سياسية تتقن استغلال الضعف اللوجستي. فخدمات النقل المجانية، والدعم المالي يوم الانتخابات، تتحوّل إلى أدوات ضغط واستقطاب. ومع الوقت، يصبح من يملك وسيلة النقل هو من يملك القرار. هكذا تُختصر العملية الانتخابية في بضع حافلات تنقل الناخبين لا نحو صناديق الاقتراع فحسب، بل نحو الاصطفاف السياسي الموجّه.

فالنظام الحالي لا يراعي التوزيع السكاني الفعلي، إذ تبقى بعض الدوائر الانتخابية محكومة بعدم التوازن بين عدد الناخبين ومقاعد التمثيل. هذا الخلل يجعل الصوت في منطقة يوازي أضعاف قيمته في منطقة أخرى، ما يُضعف مبدأ المساواة السياسية. كما أن غياب تنظيم فعلي لعمليات الرقابة والتمويل الانتخابي يفتح الباب واسعًا أمام شراء الأصوات واستغلال النفوذ، فيتحوّل يوم الاقتراع إلى سباق نفوذ لا إلى تنافس ديمقراطي حر.

الحلّ، كما يراه كثير من الخبراء، ليس مستحيلًا. فاعتماد نظامٍ يسمح للناخب بالتصويت في مكان إقامته الفعلي – مدعومًا بقاعدة بيانات وطنية وهوية بيومترية – من شأنه أن يضع حدًّا لهذا الخلل البنيوي. تجارب دولية عديدة أثبتت أنّ هذه الخطوة ترفع نسب المشاركة بما يتراوح بين 15 و20 في المئة، وتحدّ من مظاهر الفساد الانتخابي التي تنخر النظام من الداخل.

لبنان بحاجة إلى انتخابات تُعيد الثقة بين الدولة ومواطنيها، لا إلى انتخابات تُكرّس التبعية والانقسام. الإصلاح الحقيقي لا يكون بتبديل الوجوه، بل بإعادة الاعتبار إلى جوهر الديمقراطية: أن يُسمع صوت كل مواطن بحرية، أينما كان.

الاقتراع في محل الإقامة أو خارجه ليس تفصيلًا تقنيًا، بل إعلانٌ شجاع بأنّ لبنان يجب أن يكون دولة عادلة بحقّ.

 

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram