خديعة القرن ! ولادة الأزمة..

خديعة القرن ! ولادة الأزمة..

 

Telegram

خديعة القرن !

ولادة الأزمة:

في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1917 أرسل وزير خارجية بريطانيا آرثر جايمس بلفور Arthur James Balfour وبتفويض من رئيس الوزراء دافيد لويد جورج David Lloyd George كتاباً أعلن فيه: " أن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى قيام وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وسلمه إلى ليونيل والتر دي روتيشلد Lionel Walter Rothschild العضو في البرلمان البريطاني، وممثلا بارزاً للجالية اليهودي، وقد تلقى الكتاب بصفته رئيساً للمنظمة الصهيونية في بريطانيا.

هذه الجملة لوحدها تظهر تماماً معنى الخديعة الحقيقية كيف أن أرضٌ مشرقية تتحول إلى (موطن قومي لليهود) وذلك بقرار من دولة مستعمرة أصلا، ضاربة بعرض الحائط مصالح سكانها الاصليون السياسية والوطنية وحتى الأخلاقية.

وقد قدم المفكر أنطون سعادة أصدق وصف في هذا الوعد عندما قال: "أنه عهد أقل ما يقال فيه أنه أسوء العهود الدنيئة في تاريخ الدول، لأنه طعنة من الوراء في ظهر الشعب السوري".

ولأن هذا الوعد لم يكن عملاً شريفاً بل هو انقلاب على التاريخ والحضارة وبعد مضي 108 سنوات على توقيع هذا الكتاب، نكون أمام خديعة كبرى يصّح ان نطلق عليها ب "خديعة القرن".

في البعد السياسي:

يُفهم هذا "الوعد" ليس كونه مجرد كتاب أو رسالة أو تصريح، بل يعتبر المدماك الأول في هندسة تفكيك المنطقة، فبعد تفكك السلطنة العثمانية بعد الحرب الكونية الأولى 1918، وتقاسم (الجبنة) بين بريطانيا وفرنسا، هنا رأت بريطانيا إن دعم (الحركة الصهيونية) يمكن أن تكون وسيلة لبسط نفوذها على منطقة المشرق، بالتالي تكون قد أمنت مصالحها وطرق تجارتها بين الهند وقناة السويس.

والجدير أن بريطانيا وفرنسا كانتا قد وعدتا العرب بالاستقلال الكامل مقابل دعمهم خلال الحرب العالمية الأولى، ضد السلطة العثمانية، (رسائل حسين مكماهون) لكنهما خانا وعودهما بإنشاء وطن قومي لليهود وسقطت المنطقة بالكامل تحت ما سمىّ "بالانتداب" وبدأ حينها الصراع، وفي هذا السياق صرح أنطون سعادة عبر جريدة الزوبعة بونيس أيرس العدد 32 تاريخ 15/11/1941 وقال: " أن تصريح بلفور وثيقة يشكّل مضمونها وعد بريطانيا العظمى لليهود بتوطينهم في سورية الجنوبية(فلسطين) وقد أثار هذا التصريح المشكلة الشائكة المتمثلة بالصراع الدامي بين الوطنيين السوريين والإسرائيليين".

في البعد الثقافي – الاجتماعي:

بدل أرض – شعب - هوية أصبح عندنا وبفضل وعد بلفور "وطن-قومي- لليهود" هذه هي الحقيقة، الحقيقة أيها السادة تكمن في الابعاد الخطيرة لهذا (الوعد) ألا وهي محو الذاكرة الفلسطينية المشرقية وطمس تاريخها الحضاري-الثقافي ونشر السردية اليهودية المزيفة للتاريخ وللواقع، نعم، لقد استطاعوا أن يشوه الصورة الناصعة لشعوب المشرق وتجريدهم من ثقافتهم وحتى إنسانيتهم لتمرير مشروعهم الخبيث والوقح والذي لا يمكن أن يقوم ألا على العنف والقتل والتهجير.

من هنا يمكن القول إن خديعة (وعد بلفور) لم تكن خديعة سياسية فحسب، بل خديعة ثقافية مكتملة العناصر، وبدل من أن تكون فلسطين جزءاً لا يتجزأ من بلاد المشرق، أصبحت ساحة للصراعات بإشراف الدول الغربية والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول العربية!

الخديعة العربية:

أصبحت المسألة الفلسطينية اليوم من أكثر المسائل تعقيدا في حقبة التاريخ الحديث والمعاصر، وبينما نوجّه نحن اللوم على الدول الاستعمارية، أليس من الأفضل أيضاً أن نغوص ولو قليلاً عن الدور العربي في هذه المسألة!

لقد قاد الشريف حسين الثورة العربية الكبرى سنة 1916 بدعم من البريطانيين والتي بدأت من مكة بحزيران 1916، لكن ثورة حسين هذه بدل من أن تؤدي إلى قيام (دولة عربية موحدة) يبدو أنها أصبحت أداة بيد البريطانيين بهدف تحقيق مصالحهم.

بالفعل لقد قبل حسين وأبنه فيصل بالهيمنة البريطانية ووافق على تقسيم المشرق ووضعه تحت الانتداب. (باي باي الوحدة العربية) والسؤال الذي يطرح: هل صحيح أن اتفاقاً كان قد وقع بين فيصل وحاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية سنة 1919 يوافق ويرحب فيصل بموجبها بالهجرة اليهودية إلى فلسطين؟! وهذا ما يفسر كيف عمل البريطانيين على التشجيع للهجرة، وكيف ساعدتهم في شراء الأراضي، وبالمقابل كيف كانت حريصة على إضعاف سكان فلسطين الاصلين.

والجدير ذكره أن في 14/أيار/1948 خرجت بريطانيا من فلسطين، وهناك الكثير من الشهادات والمصادر التي تؤكد ان (الجيوش) العربية لم تكن جادة في منع قيام (الدولة الصهيونية) علماً أنهم كانوا قادرون على ذلك!! وهذا ما يؤكد على وجود تنسيق أو اتفاقيات سرية وقتها بين بعض الأنظمة العربية والإسرائيليين.

واليوم لا زال هذا التنسيق وتوقيع الاتفاقيات مع اليهود على قدم وساق، وبأشكال مختلفة من الخيانة (التطبيع) نموذج، هنا أصبحنا نرى ونسمع بأم العين والأذنين كيف يقوم العرب بالتباري للتخلي عن فلسطين مقابل وعود واهية من اجل حماية عروشهم ومالهم ومقدراتهم.

نعم يا سادة لقد تحولت اليوم الخيانة من سرية إلى علنية وعلى راس السطح وعلى عينك يا فاجر.

وعليه، نكون أمام نتيجة علمية وتاريخية بسيطة، لكنها مؤلمة وحزينة ومخيبة للآمال بنفس الوقت ألا وهي أن فلسطين والعديد من دول المشرق لم تسرق وتنهب خيراتها بفعل الدول الاستعمارية فقط، بل بفعل الخيانة العربية أيضاً.

يجب على بريطانيا أن تعتذر:

الدخول باتجاه المعالجة الحقيقة تكمن باعتراف بريطانيا بخطيئتها التاريخية بحق تاريخ وحضارة شعوب منطقة المشرق وأن تعتذر رسمياً وعلى الفور عما صدر من (وعد بلفور)، أيضاً على المجتمع الدولي المتمثل بالجمعية العامة للأمم المتحدة أن يعترف بالظلم الواقع على شعوب المنطقة، كما ويجب الدفع قدماً بمبدأ حق العودة وتحقيقه على أرض الواقع، والعمل على وقف كل أشكال التنسيق مع (إسرائيل).

بالمقابل علينا نحن إعادة كتابة الحقائق التاريخية بأنفسنا ونثبّت حقنا وحضارتنا وثقافتنا من خلال نشر الوعي الجمعي داخل مدارسنا وجامعاتنا ومناهجنا التعليمية، فالمعركة ليست فقط في الميدان، بل من خلال حماية هويتنا وتاريخنا وذاكرتنا.

خاتمة:

التأكيد إن (وعد بلفور) لم يكن كتاباً أو رسالة مارقة، بل هو رؤية استعمارية، والخيانة العربية لم تكن خيانة عابرة أيضاً، بل هي استمرار منذ القدم.

واليوم بعد مرور 108 سنين لا يزال المشرقيون يرفعون شعار الرفض والمقاومة، لا لأنهم أسرى الماضي القبيح، بل لأنهم حراس الذاكرة والتاريخ، وكون الجرح ما زال نازفً من الذين خانوا القضية وما زالوا على العهد!!

ها هو التاريخ يثبّت أن الشعوب الحيّة فعلا لا تموت، بل تنهض كما ينهض طائر الفنيق، فمن فلسطين، إلى لبنان، وإلى الشام والعراق سيبقى الوعي الثقافي التاريخي مشعل بيد الأجيال القادمة.

فيا شعب المشرق كله، يا من عايشتم كل تلك الظلمات والخيانات، والخدع، فليكن شعارنا دائماً المقاومة والرفض وتبيان الحقيقة حتى ولو كانت مؤلمة، وليعلم العالم، أن (وعد بلفور) لن يسقط بمرور الزمن، أتدرون لماذا؟ لأن الشعوب التي تحمي وتحفظ تاريخيها وذاكرتها تحفظ مستقبلها وبالتالي وجودها بالحياة.

وليعلم العالم أيضاً أن الأرض التي انتزعت بوعد، لن تبقى أسيرة إلى الأبد، كذلك الوعود والاتفاقيات القادمة من صفقة القرن، إلى اتفاقيات أبراهام إلى وهم التطبيع كلها زائلة والمشرق باقٍ باقِ باقِ.

 

نجا حماده باحث في علم التاريخ.

 

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram