كتب رشيد حاطوم...
في مشهدٍ يعكس تحوّلاً في آليات الاختيار الداخلي، تواجه الأحزاب والتيارات السياسية، حتى العقائدية منها، فائضاً غير مسبوق في أعداد المرشحين المحتملين لخوض الانتخابات النيابية المقبلة. وتتصدر فئة "كبار المتمولين" قائمة هذه الكثافة، مما أدخلها في منافسة حادة تهدد بتمزق النسيج الداخلي للأحزاب.
في ظل السباق المبكر على مقاعد البرلمان، لم تعد المعايير الأيديولوجية أو الكفاءة السياسية هي العامل الحاسم في عمليات الفرز الداخلي، بل بات "الثقل المالي" للمرشح هو المحرك الرئيسي. وقد حوّل هذا المعطى التنافس إلى ما يشبه "المزاد العلني" على مقاعد افتراضية، حيث يسعى كل متمول إلى ضمان موقع له عبر استثمار نفوذه المالي.
في حالة تكشف عمق الأزمة، تنفرد "iconnews" بمعلومات حول أحد كبار الممولين في حزب عقائدي كبير، الذي كان قد انشق سابقاً عن الحزب لخلافات داخلية. وقد اشترط لعودته إلى الحزب مؤخراً ضمان ترشيحه رسمياً من قبل القيادة في الدائرة المستهدفة، وذلك قبل عام كامل من موعد الاستحقاق. هذه الخطوة تكرس ظاهرة "الترشيح المسبق" كعملية مساومة تستند إلى الموارد المالية بدلاً من البرامج السياسية.
هذا التوجه يُظهر إشكالية عميقة في بنية الأحزاب العقائدية، حيث يتحول التمويل من داعم للعمل الحزبي إلى أداة ضغط تفرض واقعاً جديداً. وقد أدى ذلك إلى:
1. إضعاف التماسك الداخلي: بسبب تغليب المصالح المالية الشخصية على الاستراتيجية الجماعية.
2. تغييب الكفاءات وإقصاء العناصر النضالية: حيث يتم تهميش المرشحين المؤهلين سياسياً والذين لهم تاريخ طويل في العمل الحزبي، لصالح من يملكون القدرة على تمويل حملاتهم.
وهنا مكمن المأساة: فبينما يسعى بعض رؤساء الأحزاب لضم مرشحين متمولين إلى لوائحهم لضمان التمويل، يشعر المحازبون القدامى، أصحاب التاريخ النضالي والتضحيات، بأنهم يُجازون بالإقصاء والخيانة، فيما تُمنح الفرصة لمن لا يملك سوى محفظته المالية.
فالتسابق على ضمان المقاعد مبكراً يعكس عدم ثقة المرشحين بالشفافية الداخلية ويؤجج الصراعات الخفية.
هذه الظاهرة لا تعكس فقط أزمة داخلية في الأحزاب، بل تطرح تساؤلات حول مصداقية العملية الانتخابية برمتها، عندما تتحول المقاعد النيابية إلى سلعة قابلة للتفاوض، وتصبح الولاءات السياسية قابلة للشراء والاسترداد بشروط مالية. الأخطر من ذلك هو الرسالة المدمرة التي ترسلها هذه الممارسات إلى قاعدة الحزب: أن النضال والتاريخ والتضحيات لم تعد لها أي قيمة في معادلة الزعامة، وأن المحفظة المالية هي المعيار الوحيد للترشيح. وهو ما يهدد بفقدان الأحزاب لعناصرها الأكثر إخلاصاً والأعمق ارتباطاً بمبادئها التأسيسية.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :