القرض الحسن… مصرف من خارج القانون أم ضرورة اجتماعية؟

القرض الحسن…  مصرف من خارج القانون أم ضرورة اجتماعية؟

 

Telegram

القرض الحسن…

 مصرف من خارج القانون أم ضرورة اجتماعية؟

بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر

منذ سنوات يشغل اسم "القرض الحسن" الرأي العام اللبناني والدولي على حد سواء. فالمؤسسة، المسجّلة كجمعية خيرية، تقدّم خدمات مالية تكاد تضاهي ما تقوم به المصارف: قروض صغيرة، ودائع، ورهن ذهب. هنا يطلّ السؤال: هل نحن أمام جمعية خيرية عادية، أم أمام مصرف موازٍ يعمل خارج رقابة الدولة؟

قانون النقد والتسليف اللبناني واضح: الأعمال المصرفية من اختصاص المصارف المرخّصة فقط، وتخضع لرقابة مصرف لبنان. لكن "القرض الحسن" لا يملك هذا الترخيص. على الورق هو جمعية، لكن في الواقع يمارس صميم النشاط المصرفي. هذه المفارقة تضع المؤسسة في منطقة رمادية قانونية، وتجعلها في موقع "شبه المصرف".

المسألة لا تقف عند حدود مخالفة إدارية. فالدولة حين تسمح بوجود مؤسسة مالية خارج رقابتها، فإنها عمليًا تتنازل عن جزء من سيادتها النقدية. والمودعون الذين يضعون أموالهم في القرض الحسن يعلنون، ولو ضمنيًا، فقدان ثقتهم بالنظام المصرفي الرسمي. هذا الشرخ بين القانون والواقع يُضعف مكانة الدولة ويترك الباب مفتوحًا أمام اقتصاد موازٍ يعيش خارج القواعد.

كثيرون يسألون: هل يحق للمجتمع الدولي أن يفرض إغلاق القرض الحسن؟ الجواب القانوني بسيط: لا. فالقانون الدولي قائم على مبدأ السيادة وعدم التدخل. لا الأمم المتحدة ولا أي جهة دولية تستطيع أن تُلزم لبنان بإقفال جمعية مسجّلة لديه، إلا بقرار صريح من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهو أمر غير مطروح حاليًا.

ما يحدث عمليًا هو شيء آخر: عقوبات أميركية أو أوروبية، ضغوط سياسية، قيود على التحويلات المالية. أدوات غير مباشرة تهدف إلى عزل المؤسسة، لكنها تبقى خارج إطار "الإلزام الدولي".

ليست هذه الظاهرة جديدة. مصر في التسعينيات عرفت "شركات توظيف الأموال" التي جذبت المدّخرات بعيدًا عن المصارف، وانتهت إلى فضائح وخسائر جسيمة. في إيران، الجمعيات الائتمانية غير المرخّصة أُجبرت في النهاية على الاندماج تحت رقابة البنك المركزي. النتيجة واحدة: لا يمكن أن يستقر اقتصاد إذا تعددت السلطات النقدية داخله.

القرض الحسن يلبّي حاجة اجتماعية واقتصادية عند شريحة واسعة من اللبنانيين، لكنه في الوقت نفسه يضع تحديًا قانونيًا وسياديًا أمام الدولة. المجتمع الدولي قد يضغط ويعاقب، لكنه لا يملك الأداة القانونية المباشرة لإغلاقه.

القرار في النهاية لبناني: إما ترك مؤسسة مالية خارج القانون بما يحمله ذلك من مخاطر، أو إدخالها في الإطار الرسمي عبر إصلاحات وتشريعات جديدة تعيد الثقة إلى النظام وتمنع تشظيه.

 

 

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram