بقلم: د. محمد هزيمة
في العقود الأخيرة، برزت الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في إعادة تشكيل المشهد العسكري والسياسي في الشرق الأوسط من خلال دعم الميليشيات وتقويض الجيوش النظامية. سياسة واشنطن لتحقيق أهدافها الاستراتيجية أدت إلى تغييرات جذرية في توازن القوى الإقليمية، اعتمادًا على إضعاف الجيوش الوطنية كنهج متبع لحرب ناعمة.
كشفت وجه السياسات الأمريكية في المنطقة نمط متكرر من إضعاف الجيوش الوطنية وأبرز الأمثلة بعد غزو العراق في عام 2003، أول خطوة كانت حل الجيش العراقي، ما خلق فراغًا أمنيًا استُغل من قبل الجماعات المسلحة. كذلك تعيد السيناريو في سوريا، دعمت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أثر ذلك على تماسك الجيش السوري. وهذا كان في اليمن، حيث أدى الدعم الأمريكي للتحالف العربي إلى تفكك الجيش اليمني، ما أفسح المجال لتعزيز قوى عملت أمريكا على محاربتها.
بما يسمى بعاصفة الحزم والاستعانة بمرتزقة من ميليشيات، طالما استعملتهم أمريكا أدوات نفوذ. فسياسة واشنطن منذ القدم اعتمدت على الميليشيات لتحقيق أهدافها دون التورط المباشر. والمشهد العراقي واضح حين دعمت واشنطن "الصحوات" لمواجهة تنظيم القاعدة، ما أدى لتقوية الفصائل السنية المسلحة. وأعادت الكرة في سوريا بتبني قسد كقوة برية لمحاربة داعش، مما منح الأكراد نفوذًا سياسيًا وعسكريًا متزايدًا.
هذا النهج سمح للولايات المتحدة بتقليل خسائرها البشرية والمالية، بينما حققت أرادت أهدافها الاستراتيجية.
لكن هذا النهج السياسي رتب نتائج على أمريكا أدت إلى تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة. أولها:
- تفكك الجيوش الوطنية أضعف قدرة الدول على فرض سيادتها، مما أدى إلى صراعات داخلية مستمرة.
- الاعتماد على الميليشيات زاد من النفوذ الإيراني في بعض الدول، مثل العراق ولبنان، حيث أصبحت الجماعات المسلحة جزءًا من الهيكل السياسي.
ما يوجب إعادة تقييم السياسات التي أظهرت نتائجها أن سياسة إضعاف الجيوش الوطنية ودعم الميليشيات لتحقيق أهداف قصيرة المدى في الشرق الأوسط أوصلت إلى عدم استقرار طويل الأمد. ومن الضروري أن تعيد الولايات المتحدة تقييم استراتيجيتها في المنطقة، مع التركيز على دعم المؤسسات الوطنية وتعزيز السيادة، بدلاً من الاعتماد على الفاعلين غير الحكوميين الذين قد يهددون استقرار الدول على المدى البعيد.
وهذا قد يكتب فصولًا جديدة من السياسات الأمريكية المتبعة بعد فشل تجربتها بنهج تدمير الجيوش لتقويض الدول وقول الأنظمة. كما هو متوقع سقوط مشروعها بتبديل خرائط العالم وقلب التوازنات والسيطرة المطلقة على العالم، ولم تنجح حتى اللحظة بأي جبهة، لا سياسية ولا عسكرية إلا عند أدواتها الذين يعتبرون أنهم حلفاء لها.
فمشهد قادة أوروبا أسقط دور القارة ومنحها ثمة التابع، وحول حكوماتها نسخة عن حكومات الخليج، لكن بمهمة مختلفة. الأولى تدفع الجزية السياسية والثانية تدفع الجزية المالية لأنها لا تملك قرارها السياسي. وما يجمع الطرفين عند الأمريكي أنهم يدفعون بدل الحكاية. الأولى الدور المحدودة والثانية استمرار الأنظمة التي أسقطت عن جيوشها صفة الدفاع والامتناع والمهمة، وحولته أداة بيد الراعي الأمريكي. كيف إذا كان الراعي غير صالح؟!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :