متى تفقد الحكومة ميثاقيتها؟
بعد عودة مصطلح الميثاقية إلى التداول السياسي مجدداً، والجدل الدستوري حولها، والذي قد تكون له تأثيراته المستقبلية على الحكومة، يُطرح التساؤل الآتي: متى تفقد الحكومة ميثاقيتها؟
*تنصّ الفقرة (ي) من مقدمة الدستور على أن «لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، وهو نصّ يكفل حقوق الطوائف، ويمنع السلطة، في الوقت نفسه، من العبث بها*.
وقد جرت حماية هذه الحقوق في مواد لا يجوز التوسّع في تفسيرها: المادة 9 (احترام الأحوال الشخصية للطوائف)، المادة 10 (نظام تعليم خاص للطوائف)، المادة 19 (حق رؤساء الطوائف في الطعن بأيّ قانون يمسّ الشعائر الدينية)، المادة 22 (انتخاب مجلس شيوخ يمثّل الطوائف فور انتخاب مجلس نيابي وطني لا طائفي)، المادة 24 (المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مجلس النواب)، المادة 95 (التوزيع الطائفي العادل في تشكيل الحكومة وفي وظائف الفئة الأولى)، إضافةً إلى العرف الدستوري المتعلق بـ «التوزيع الطائفي للرؤساء الثلاثة».
*وانتهاك أيٍّ من هذه الحقوق الواردة في المواد المذكورة يشكّل طعناً في شرعية الحكومة، ولا سيما المادة 95 من الدستور المتعلقة بتمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الحكومة*.
ما يعني أن استقالة وزراء طائفة من الطوائف التي جرى مراعاتها في تركيبة الحكومة، يخلّ بأحكام هذه المادة، وبالتالي بالفقرة (ي) من مقدمة الدستور، أي في قواعد تأليف حكومة عادلة طائفياً، الأمر الذي يُوجب، عندئذٍ، على رئيس الجمهورية إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة في حال بقاء الواقعة المحظورة في المادة 95 على ما هي عليه.
*وقد يُرّد على هذا التحليل بالقول إن المادة 69 من الدستور عندما عدّدت حالات اعتبار الحكومة مستقيلة، لم تذكر المسألة المثارة من ضمن هذه الحالات، إلا أنه يمكن القول إن حالات عدم الشرعية، أي الحالات التي تخلّ بحقوق الطوائف، مختلفة تماماً عن حالات اعتبار الحكومة مستقيلة*، وهذا الاختلاف لا يُغيّر من الأثر الّذي يجب ترتيبه جرّاء تحقق أو تخلّف هذه الحالات، بدليل أن حالة كفّ يد رئيس الحكومة، وفق المادة 70 من الدستور، أي عندما يرتكب الخيانة العظمى أو يخلّ بالواجبات المترتبة عليه، لم تُدرج ضمن حالات اعتبار الحكومة مستقيلة. لكن ليس معقولاً استمرار حكومة يترأسها شخصٌ جرى كفّ يده أو سجنه فور توافر شروط محاكمته، أو في حالة عجز رئيس الحكومة، بسبب المرض أو العاهة الدائمة، عن إكمال مهماته، إذ لا يُعقل استمرار الحكومة لأن المادة 69 ذكرت واقعة «وفاة رئيس الحكومة فقط»، فهذا أمرٌ لا يقبله المنطق، وفيه فصل للنص الدستوري عن الواقع السياسي!
كما إنه من غير المعقول، على سبيل الافتراض، تعيين وزراء جدد من طائفة لا تعكس تمثيلاً نيابياً فور استقالة وزراء حاليين من الحكومة، إذ إن المادة 95 المعطوفة على المادتين 22 و24، وخلال المرحلة الانتقالية، أي قبل إلغاء الطائفية السياسية، ألزمت، ولو بصورة غير مباشرة، تشكيل حكومة سياسية - طائفية بمفروض عبارة «تمثّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الحكومة».
*وهو نصٌ يسمح بالاستنتاج أن الطوائف التي خاطبتها هذه المادة تجد أساسها في تلك الجماعات السياسية الممثلة داخل مجلس النواب، إذ إن الفقرة الأولى من المادة 24 من الدستور تنصّ على أنه «يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفقاً لقوانين الانتخاب*».
لتأتي المادة الثانية من قانون الانتخاب، في فقرتها الأولى، على تأكيد «توزيع المقاعد في الدائرة الانتخابية على الطوائف...»، بدليل أن المادة 22 من الدستور، ولو بصورة ضمنية، رسمت الطابع الطائفي للمجلس النيابي إلى حين انتخاب مجلس نيابي على أساس وطني.
*وهو دليل أجاز القول إن المجلس جاء انعكاساً للطوائف المعنية في لحاظ المادة 95 ما لم يضع قانوناً انتخابياً من خارج القيد الطائفي بموجب الفقرة الثانية من المادة 24 من الدستور التي نصت على التوزيع المتساوي، وتالياً النسبي، للطوائف داخل مجلس النواب*.
ويترك ذلك أثره الواضح في شكل الحكومات التي تعكس صورة التمثيل الحزبي داخل المجلس النيابي، وبالتالي في ضرورة انتقاء وزراء يعكسون صورة التمثيل النيابي داخل الحكومة، على اعتبار أن ماهية النظام السياسي، في المفهوم الحديث، لا تُحصر في شكل الحكم فقط، بل أيضاً في القوى الاجتماعية والسياسية المؤثرة في الحكم. ومن بين الداعمين لهذه الفكرة العلّامة هانز كلسن الّذي يرى أن الشرعية السياسية لا تستقيم من دون دعم اجتماعي وقبول شعبي، ما يربط القوى الواقعية بمشروعية النظام.
ويصمد هذا التحليل أمام ما جاء في قرار المجلس الدستوري الرقم 5/2002 في تفسير «ميثاق العيش المشترك»، بأن «الحرص على الوفاء للمبدأ الدستوري الوارد صراحة في الفقرة (ي) من مقدمة الدستور بأنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، يعني أنه لا يستقيم التمثيل الشعبي، أي تمثيل، في ظل أوضاع تهدد صيغة هذا العيش التوافقية والميثاقية التي ارتضاها الشعب اللبناني صاحب السيادة ومصدر السلطات...»، ما يعني أن هناك تلازماً، بحسب المجلس الدستوري، بين التمثيل الشعبي، الّذي ينعكس عادةً في المجالس النيابية، وبين الطوائف وحقوقها، وهذا يؤكد فكرة الترابط بين التمثيل النيابي والوزاري عطفاً على المادتين 24 و95 من الدستور.
*جرّاء ما تقدّم، يمكن القول إن الحكومة تفقد ميثاقيتها باستقالة وزراء طائفة من الطوائف الّتي جرى تمثيلها في المجلس النيابي تبعاً للإخلال بأحكام المادة 95 من الدستور*. أما تغيّب وزراء من طائفة معيّنة عن جلسات الحكومة، فهو أمرٌ يخرج عن الحالات الّتي ذكرها الدستور نصاً وعرفاً، وتدخل، في الوقت نفسه، ضمن قواعد رسمتها سائر المواد الدستورية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي