جورج عبد الله…
أخيرًا حرّ: لحظة تنتصر فيها العدالة على عناد السياسة
بقلم الدكتورة رشا أبو حيدر
في حدث غير مسبوق، عاد المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله إلى بلده، بعد أن أمضى أكثر من 41 عامًا في السجون الفرنسية، في واحدة من أطول حالات الاحتجاز السياسي والإداري المقنّع في التاريخ الأوروبي الحديث. لحظة عودته ليست مجرّد خبر، بل إعلان انتصارٍ متأخر لقيم العدالة، وانكشافٌ صارخ لكيفية ارتهان القانون لمصالح السياسة حين تتشابك الحسابات الدولية والهيمنة الغربية.
لقد شكّلت قضية عبد الله لعقود محور جدل قانوني–سياسي حاد: فالرجل أتمّ شروط الإفراج منذ عام 1999، بعد أن قضى الحد الأدنى من العقوبة المفروضة عليه (مدى الحياة مع إمكانية الإفراج بعد 15 سنة). ورغم قرارات الإفراج المشروط التي أصدرها القضاء الفرنسي في عدة مناسبات، فإن التدخلات الأميركية والإسرائيلية حالت دون تنفيذها، ما حوّل الملف إلى احتجاز تعسفي وانتهاك صارخ للمادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ولأحكام الدستور الفرنسي ذاته.
الإفراج عن عبد الله اليوم هو تراجع متأخر للدولة الفرنسية عن ممارساتها غير القانونية، وإن لم يُعلن رسميًا أنه جاء استجابة لاعتبارات قانونية، فإن الضغط الشعبي الدولي، والمرافعة الحقوقية المستمرة، والدور الدبلوماسي الخفي ربما لعبت دورًا حاسمًا في طيّ هذا الملف.
في بُعده السياسي، يشكّل عبد الله رمزًا حيًا لحركات المقاومة المناهضة للاستعمار، ووجوده اليوم في لبنان يفتح الباب أمام إعادة قراءة توازن القوى الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة. أما في بعده القانوني، فإن قضيته ستبقى نموذجًا فاضحًا لكيفية تجاوز القانون الدولي حين يتعارض مع المصالح الغربية.
إن عودة جورج عبد الله إلى وطنه ليست نهاية القضية، بل بدايتها الحقيقية. فالمحاسبة الأخلاقية والسياسية، وكشف المسؤوليات، وتثبيت الحق في مقاومة الاحتلال والاستعمار، هي تحديات ما بعد الحرية.
الحرية التي طال انتظارها ليست منّة… بل استحقاقٌ سُلب بالقوة، وانتُزع بالصمود، واستُعيد بالكرامة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :