يتصف وليد جنبلاط من بين اترابه السياسيين، بأنه الأكثر اطلالة على ما يحدث في الكواليس الدولية.. وطالما قيل ان جنبلاط لديه " انطينات " يستشعر من خلالها بالازمات قبل وصول عواصفها ورياحها الهائجة إلى لبنان.
ولم يعد خافيا مدى القلق الذي يعتري جنبلاط الذي يحذر من صعوبة المرحلة ومن وجود خطر على لبنان بسبب ظروفه الراهنة غير المسبوقة وبسبب ما يدور حوله وفي إقليمه وفي العالم من تحولات.
ومن خلال جملة الخطوات التي قام بها جنبلاط مؤخرا ، يبدو واضحا أن " بك المختارة" يتجه لتنفيذ استراتيجية درزية داخلية تقوم على عدة نقاط، وهدفها جعل الجبل يتحسب مبكرا للعاصفة السياسية والمعيشية والأمنية والمشبعة برياح التفلت الامني وتفكك الدولة.
اما عناصر استراتيجية جنبلاط فيمكن إدراجها تحت عنوان " النأي بالنفس ( الجبل) عن الفوضى" وايضا عن حصول تغييرات سياسية وبنيوية فيه.
اول عناصر استراتيجية النأي بالنفس الجنبلاطية، تتمثل ببناء ما يشبه "منطقة جنبلاطستان" في منطقة قضائي الشوف وعالية . والحق يقال ان ابو تيمور لا يهدف من وراء ذلك اعلان كانتونه الدرزي، ولا يحاول التمهيد للفدرلة في لبنان، ولكنه يستنسخ تجربة كردستان سورية والعراق، ليجعلها نموذج درزي مؤقت يحمي فيه " الجبل " و" المختارة" من عواصف مستطيرة قادمة على لبنان. فجنبلاط يرى تفكك الدولة ويرى أن المجاعة دخلت بيوت المواطنين، ويرى الغضبة الشعبية المنتظرة، فلذلك قرر بناء السياج حول منطقته، واقناع كل مكونات الساحة الدرزية بتقليل خسائر المرحلة الراهنة درزيا.
بالشكل نجح جنبلاط في بناء اساسات تنفيذ استراتيجية النأي بالنفس عن العاصفة في الجبل، ولكن ليس مضمونا ما اذا كانت تسونامي العاصفة القادمة ستمنعها سياجات الحماية التقليدية من تجاوز السدود.
ثاني عناصر استراتيجية جنبلاط تتمثل بقيامه باعلان لائحة عن أسماء اللاعبين السياسيين في الجبل، وسجل فيها إلى جانبه اسمي طلال أرسلان ووئام وهاب ووضع سقفا لهؤلاء اللاعبين اسمه مرجعية شيخ العقل. ولما كانت هذه المرجعية الدينية المقرة تشهد خلافا عليها بين المختارة دارة خلدة، اقترح جنبلاط على رسلان تأجيل حل هذا الموضوع حتى موعد الانتخابات المقبلة لمشيخة العقل العام المقبل.
والواقع يجب الاعتراف بذكاء جنبلاط حينما ذهب ليحصر أسماء اللاعبين السياسيين في الجبل بثلاثة عناوين، وهدفه من ذلك القول أنه لن يكون هناك لاعب سياسي جديد في الجبل، لا داخلي وهو الحراك المدني الذي تخاف منه المختارة ، ولا اقليمي وهو سورية التي تتوجس منها الجنبلاطية السياسية الدرزية.
ووفق تفكير جنبلاط فإنه بفضل هذه المساعي التي نفذها ضمن استراتيجيته للنأي بالجبل وبالمختارة عن العاصفة وعن التحولات السياسية التي قد تنتج عنها، فإنه أصبح الآن الطرف السياسي الأكثر تحسبا وتحصنا ضد التحولات الجنونية المتوقع أن يشهدها لبنان نهايات هذا الصيف.
ثالث عناصر استراتيجية جنبلاط هو اخذ موقف وسطي داخل الصراع السياسي القائم بين قصر بعبدا وبيت الوسط وعين التينة. صحيح أن جنبلاط اقرب الى بري منه إلى عون واقرب إلى الحريري منه إلى باسيل، ولكن جنبلاط في هذه اللحظة هو أقرب الى أمن الجبل منه إلى أي محور سياسي اخر.
يدرك جنبلاط انه لا حكومة في المدى المنظور، وعليه فهو ليس بوارد دفع ثمن صراع سياسي لا ربح فيه. ويدرك جنبلاط ان ازمة لبنان تعدت حدود بلد الارز، و المختارة تعلمت من تجاربها السابقة انه عندما تبدأ حروب الأمم، فإن السياسة الذكية تحتم خفض الرأس حتى تمر العواصف الكبرى.
نسخ الرابط :