لندن | صعّد توسيع العدوان على قطاع غزة، من حدّة الانتقادات التي تواجه الحكومة الإسرائيلية؛ إذ قرّرت المملكة المتحدة، على هذه الخلفية، تجميد المفاوضات في شأن اتفاق تجاري ثنائي، فيما مرّر برلمان مملكة إسبانيا قراراً غير ملزِم بوقف تصدير الأسلحة إلى الدولة العبرية، على أن تدعم فرنسا، من جهتها، مراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وجاء ذلك في وقت حذّرت فيه الأمم المتحدة من أن فلسطينيّي القطاع معرّضون لخطر المجاعة، وأن 14 ألف طفل على الأقلّ سيقضون خلال 48 ساعة ما لم تصلهم المساعدات بصفة عاجلة.
وكانت بريطانيا أعلنت، أول أمس، على لسان وزير خارجيتها، ديفيد لامي، تعليق محادثات التجارة الحرّة مع إسرائيل، وفرْض عقوبات جديدة على أفراد ومنظمات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلّة. ودان لامي «خطط (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو لطرد سكان غزة من منازلهم نحو زاوية في أقصى القطاع إلى الجنوب، والسماح بعبور جانب بسيط من المساعدات الأساسية التي يحتاجون إليها». كما وصف الوضع في القطاع بـ»الفظيع»، مشيراً إلى أن حكومة بلاده ستعيد النظر في ما يسمّى «خارطة طريق 2030» للعلاقات البريطانية - الإسرائيلية، بعدما جعلت «تصرفات حكومة نتنياهو، من ذلك أمراً ضرورياً». واستدعى وزير شؤون الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية، هاميش فالكونر، بدوره، السفيرة الإسرائيلية في لندن، تسيبي حوتوفلي، لإبلاغها بالقرار.
وأتى قرار لندن تعليق محادثات التجارة الحرّة، بعد يوم من توبيخ علني نادر وجّهته حكومات بريطانيا وفرنسا وكندا، إلى إسرائيل، على خلفية تصعيدها هجومها على قطاع غزة، واصفة ذلك بـ»غير المتناسب» و»الفظيع». وانضمّ رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إلى كلّ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، في إصدار بيان مشترك (الإثنين)، قالوا فيه إنهم سيتّخذون «إجراءات ملموسة» ضدّ إسرائيل ما لم توقف هجومها الشامل، «عربات جدعون»، وترفع القيود المفروضة على دخول المساعدات إلى غزة. وقال البيان: «لقد دعمنا دائماً حقّ إسرائيل في الدفاع عن الإسرائيليين ضدّ الإرهاب، لكن هذا التصعيد غير متناسب على الإطلاق».
وفي بروكسل، شَرَعَ الاتحاد الأوروبي في إعادة النظر في اتفاق الشراكة مع إسرائيل، بعدما أيّدت أغلبية الدول الـ27 الأعضاء ذلك، في اجتماع على مستوى وزراء الخارجية. وتحدّث دبلوماسيون، بصفة غير رسمية، عن توافق 17 دولة أعضاء في الاتحاد، تقودها هولندا، ومن بينها إسبانيا وإيرلندا وفرنسا، على إجراء مراجعة للاتفاق بموجب مادة فيه تدعو إلى احترام حقوق الإنسان. ونقلت الصحف عن مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاجا كالاس، قولها إن «أغلبية قوية» داخل التكتّل تدعم الخطوة في محاولة للضغط على إسرائيل، وترى أن «الوضع في غزة لا يمكن الدفاع عنه»، وأنه «لا بدّ من السماح بتدفّق المساعدات الإنسانية حتى تصل إلى السكان المحاصرين».
اعتبر نتنياهو البيان البريطاني - الفرنسي - الكندي بمثابة «مكافأة كبيرة لحركة حماس»
من جهته، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أن بلاده ستدعم مراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ردّاً على أفعال الأخيرة في غزة، وجدّد التزام حكومته بالاعتراف بدولة فلسطينية. وقال: «لا يمكننا أن نترك لأطفال غزة إرثاً من العنف والكراهية. لذلك، يجب أن يتوقّف كل هذا، ولهذا السبب نحن مصمّمون على الاعتراف بدولة فلسطينية». كذلك، أكّد وزير الخارجية البلجيكي، ماكسيم بريفو، أن لا شكوك لديه في انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان في غزة، وأن المراجعة التي أمر بها الاتحاد الأوروبي لاتفاق الشراكة، قد تؤدّي إلى تعليقه كليّاً. على أن التوصّل إلى قرارات حاسمة يتطلّب إجماع الدول الأعضاء في الاتحاد، وهو أمر غير متاح تقليدياً، حين يتعلّق الأمر بممارسة ضغوط على إسرائيل؛ علماً أن هنغاريا كانت منعت للتوّ اعتماد قرار بفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة.
ووافق البرلمان الإسباني، أول أمس، بأغلبية 176 صوتاً مقابل 171، على اقتراح غير ملزم يحثّ الحكومة على فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويدعو الاقتراح إلى حظر تصدير أيّ مواد يمكن أن تعزّز القدرات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك الخوذات، والسترات الواقية، والوقود المخصّص للاستخدام العسكري، كما يدعو الحكومة إلى إصلاحات في قوانين التجارة الخارجية الإسبانية لحظر الاتفاقات العسكرية مع الدول المتّهمة بارتكاب إبادة جماعية أو جرائم ضدّ الإنسانية، مستشهدة بتصرّفات الكيان في غزة.
وقالت الناطقة باسم حركة «سومار» الشريكة في الحكومة الائتلافية، فيرونيكا مارتينيز: «لا يمكن إسبانيا أن تتعاون مع دولة ترتكب إبادة جماعية أو جرائم حرب»، مشدّدةً على أنه لا ينبغي دعم صناعة الأسلحة الإسرائيلية وسط الصراع في غزة. وذهبت زعيمة حزب «بوديموس» المعارض، أيون بيلارا، إلى أبعد من ذلك، فحثّت على عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لإصدار مرسوم يحظر جميع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، واصفةً نتنياهو بأنه «هتلر عصرنا»، والوضع في غزة بأنه «أكبر تطهير عرقي في القرن الحادي والعشرين».
لكن كلّ هذه الانتقادات لم تؤت أكلاً إلى الآن، إذ ردّت الحكومة الإسرائيلية بالقول إن «الضغوط الخارجيّة» لن تمنعها من «الدفاع عن وجود إسرائيل وأمنها ضد الأعداء الذين يسعون إلى تدميرها». وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، أورين مارمورستين، رداً على قرار لندن تعليق محادثات التجارة الحرّة: «إذا كانت الحكومة البريطانية، وبسبب الهوس المناهض لإسرائيل والاعتبارات السياسية الداخلية، مستعدّة لإلحاق الضرر بالاقتصاد البريطاني، فهذا من صلاحياتها».
كما اعتبر نتنياهو البيان البريطاني - الفرنسي - الكندي بمثابة «مكافأة كبيرة لحركة حماس على إشعالها الحرب بهجمات 7 أكتوبر 2023 على (إسرائيل)». وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على موقع «إكس»: «هذه حرب الحضارة على الهمجية، وستواصل إسرائيل الدفاع عن نفسها بكل الوسائل العادلة حتى يتحقّق النصر الكامل».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :