لا تزال الجامعة الأميركية في بيروت تحتجز شهادات طلاب اعترضوا، في ربيع 2021، على دولرة الأقساط، ورفعوا دعاوى ضد إدارتها، وأودعوا الأقساط لدى كاتب العدل وفقاً لسعر الصرف الرسمي (1515 ليرة للدولار).
الإدارة، التي حرمت هؤلاء من المشاركة في حفل التخرج، اشترطت أخيراً عليهم التراجع عن الدعاوى وتسديد المبالغ المتوجبة بالدولار، رغم أنها كانت تتقاضى الأقساط حينها وفقاً لأسعار صرف متفاوتة (3900 و8000 ليرة للدولار) قبل أن تعتمد الدولرة الكاملة. ولم تكتفِ بذلك، بل فرضت على الطلاب توقيع سندات دين موقعة منهم ومن كفيل، فيما اقتصر التسهيل الوحيد على دفع ثلث المبلغ سلفاً وتقسيط الباقي على 24 شهراً.
وبعدما رفض قضاء العجلة والمحكمة الناظرة في الدعوى إلزام الجامعة بتسليم الطلاب إفادات نجاحهم، لم تُفلح مراسلات هؤلاء لإدارة الجامعة، والتي شرحوا فيها عجزهم عن تسديد مبالغ تصل إلى 100 ألف دولار. علماً أن بعضهم حصل على فرص عمل معلّقة على استكمال أوراقهم، ما يهدد مستقبلهم المهني، فيما عجز آخرون عن متابعة دراستهم العليا أو التقدّم للحصول على فرص عمل في الخارج.
حول مسؤولية «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» الذي تبنّى دعاوى أكثر من 150 طالباً في الجامعتين اللبنانية الأميركية والأميركية، أوضح المحامي جاد طعمة، الرئيس السابق للجنة القانونية في «المرصد»، أن الأخير كان يعوّل على تدخل حاسم من المديرية العامة للتعليم العالي في وزارة التربية، خصوصاً بعد تعهّد الجامعات في اجتماع مع الوزارة بعدم دولرة الأقساط. غير أن تجاهل الوزارة فتح المجال أمام الجامعتين لفرض الدولرة والتعاطي السلبي مع الدعاوى، إلى حدّ التدخل لدى رئيس مجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين في بيروت.
وأضاف طعمة: «حين اقترحت المحكمة السير بمفاوضات برعاية قضائية أبدينا كامل حسن النية والإيجابية، إذ لا خلفية ثأرية لدينا أو لدى الطلاب ضد هذين الصرحين العلميين، وقد توصلنا إلى اتفاق على تجميد الدعاوى شرط أن تسعى الجامعة إلى دراسة كل ملف، والسعي إلى زيادة المساعدات المالية للطلاب، غير أن الجامعتين انقلبتا على الاتفاق، وتغيّر المسار القضائي. وفيما كنا ننتظر حكماً نهائياً للبتّ في الدعوى في آذار 2022، صدر قرار تمهيدي لم نفهم الهدف منه حتى الساعة بفتح المحاكمة واستجواب الطلاب».
لاحقاً، تدخل نقيب المحامين آنذاك، ملحم خلف، واجتمع مع الطلاب بحضور فريقهم القانوني، مقترحاً التواصل مع إدارة الجامعتين للوصول إلى حلول فردية. وأشار طعمة إلى أنه «رغم أن الوكلاء القانونيين كانوا يفضّلون حلاً جماعياً، إلا أن احترامهم لموقع النقيب دفعهم إلى القبول بالصيغة، ما أسهم في انسحاب عدد كبير من الطلاب، ولم يبقَ في المواجهة سوى العشرات من طلاب الـAUB».
ولفت طعمة إلى أن إدارتي الجامعتين كانتا مربكتين بسبب العدد الكبير للطلاب، لذلك عملتا على تفريقهم، وكان الحل الحبي يشترط أن يذهب الطلاب بمفردهم إلى الجامعة وعزل الوكلاء القانونيين والترويج بأن هؤلاء يسعون إلى الشهرة وينتمون إلى «تيار يساري حاقد على الأميركيين».
وبعد انسحاب الكتلة الأساسية من الطلاب، أصبحت شوكة الجامعتين أقوى تجاه من تبقّى. وحين حاول المحامون إعادة تحريك الملف، صدر قرار قضائي مستغرب يطلب من الجامعتين الإفادة عمّا إذا كانت الدعاوى لا تزال قائمة قبل تحديد أي جلسة. كما صدر قرار بمنع المحامين من التصريح إعلامياً، ما عزل القضية تماماً عن الرأي العام.
يأسف طعمة أن يدفع الطلاب ضريبة ما وصفه بـ«الخصومة الحضارية» التي خيضت ضد جامعتين يفترض أن تحترما القانون، لكنّهما نجحتا في تكريس أن نظاميهما الداخليين يسموان على القانون اللبناني. واعتبر أن ما حدث لا يضرّ بالطلاب فقط، بل يطعن بمهنة المحاماة، وكان يمكن تفاديه لو تحرّكت وزارة التربية منذ البداية، ما لم يكن ليسمح لأي مؤسسة تعليمية خاصة بفرض أقساط بالدولار لاحقاً.
كما حمّل طعمة نقابة المحامين مسؤولية جزئية، حتى وإن كانت بحسن نية، حين اقترحت الحلول الفردية. وأكد أن الفريق القانوني أخطأ أيضاً حين راهن على القانون كوسيلة لتحقيق العدالة، مشبّهاً حال الطلاب بالمودعين الذين أثبتت التجربة أن لا حماية قانونية لهم، «وهناك فئات في المجتمع أثبتت بالتجربة أنها فوق القانون».
وختم طعمة بالإشارة إلى أن الملف القانوني كان متيناً، ويكفي لإثبات أحقية الطلاب، لكن القضاء لم يشأ أن يقول كلمته، «وهذا ما لم نكن نتوقعه ونتحمل مسؤوليته أخلاقياً أمام الطلاب وأمام أنفسنا». وناشد الجهات المانحة والداعمة للجامعتين أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية، وأن تطلب إيضاحات عن «المجزرة التربوية» التي ترتكب بحق من تبقّى من الطلاب، واصفاً ما يجري بأنه وجه من أوجه الفساد المقونن الذي يسمح لأصحاب النفوذ بالتهرّب من المحاسبة القضائية».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :