شموئيل روزنر
يوم أول أمس (الثلاثاء)، وصل بريد إلكتروني بصيغة باردة إلى إحدى جامعات البحث العلمي في إسرائيل: تم إلغاء الاتفاقية لتوريد المعدات إلى مختبرات الجامعة. الشركة البريطانية التي أرسلت الرسالة قررت أنه من الأفضل لها التخلي عن الأعمال هنا، وستضطر الجامعة إلى البحث عن مصدر توريد آخر.
لن ينهار أحد بسبب هذا الإلغاء. فالبحث الأكاديمي سيستمر، ولو تأخر قليلاً، سنتحمّل ذلك. إذا كان هذا هو «تسونامي» الضغوط السياسية الذي يهدد إسرائيل، فيبدو كأنه تموّج صغير. أضيفوا إليه عقوبات على دانييلا فايس، ولنعتبرها موجة أُخرى لن تزعج أحداً كذلك.
في أيّ حال، تتضح مشكلة معينة في الصورة التي تم اختيارها لوصف الوضع: «تسونامي». تعوّدنا على عبارة «تسونامي، تسونامي»، مثل قصة «الذئب، الذئب»، ذاك الذي لم يأتِ في المرة الأولى، ولا في الثانية، لا يعني أنه لن يأتي في الثالثة. وطبعاً، من الممكن ألّا يكون ذئباً على الإطلاق، ولا تسونامي، بل لنقُل إنه نمرٌ، أو ربما أفعى سامة؛ شيء لا يأتي بضجيج كبير، ومحسوس، ودراماتيكي، بل يتسلل بهدوء، يلدغ لدغة سريعة، بالكاد محسوسة، لكنها قاتلة.
إذا سألتم عن الضرر الذي تسبّب به يائير غولان يوم أمس، من خلال تصريحاته المتسرعة التي أطلقها في الهواء، قبل أن يُتاح لعقله التفكير في معناها الدقيق، فالضرر هو تشتيت الانتباه؛ فبدلاً من الحديث عمّا هو مهم، وعمّا له دلالة استراتيجية، مثل احتمال التدهور السريع في علاقات إسرائيل ببقية دول العالم، انشغلت إسرائيل يوم أمس بنقاشات تفسيرية لِما قاله، وماذا قصد الرجل الذي ربما «رأى العمليات»، لكنه لم يعرف كيف يُحسن التحذير منها.
طبعاً، كل شيء متصل: تصريحات غولان ستخدم حجج الدول التي تسعى لوقف حرب إسرائيل، وستساهم في تمكين زعماء بريطانيا وكندا وفرنسا من القول إن على إسرائيل الاستبعاد من «عائلة الأمم»، وستساعد زعماء الائتلاف الحاكم على القول إن على غولان أن يُستبعَد من «عائلة القادة الشرعيين».
لكن، بالعودة إلى الجوهر: تقف إسرائيل عند مفترق طرق خطِر، وإذا اختارت المفترق الخطأ، فستخرج منه مثخنة، ومضروبة. في العديد من دول العالم، هناك مَن ينتظر الفرصة لتوجيه ضربة إليها باستخدام أدوات لم تُستخدم حتى الآن: أدوات العقوبات، والحظر، والنبذ: والتي سيشعر بها كلّ إسرائيلي سريعاً في محفظته، وفي خطط سفره، وفي قدرته على ممارسة الأعمال.
دولة واحدة فقط تفصل بين إسرائيل وبين الدخول إلى هذا المفترق، وهي الولايات المتحدة. ما دام الحاجز الأميركي قائماً بين إسرائيل وبقية العالم، يمكن الاستمرار في سياسة التجاهل الجزئي والتحدي الجزئي تجاه التحذيرات القادمة من أوروبا، أو كندا.
إلّا إن الحاجز الأميركي يبدو اليوم أقل استقراراً مما كان عليه في السابق، فالبيت الأبيض يلمّح إلى أن نهاية الحرب يجب أن تكون قريبة. وإذا أراد تقريبها، فلن يحتاج إلى فعل أمور كثيرة، فقط عليه رفع الحاجز، وترك بقية العالم يقوم «بالعمل القذر» في مواجهة إسرائيل.
تخيّلوا جملة واحدة من دونالد ترامب تقول: «من حق فرنسا أن تقرر ما إذا كانت ستتاجر مع إسرائيل، أم لا». هذا كل ما يلزم.
وطبعاً، ترامب، تماماً مثل يائير غولان، يستيقظ في بعض الصباحات بحاجة لا يمكنه مقاومتها إلى قول شيء يثير عاصفة.
الاستنتاج؟ إليكم الاحتمال الذي يمكن وصفه بـ»المعقول»، وإن لم يكن مضموناً: لن تتمكن «مركبات جدعون» من المضيّ بعيداً، وفتيل الصبر يزداد قصراً، وكلّ يوم إضافي من العملية يقصّره أكثر فأكثر.
في إمكان إسرائيل أن تحاول التحرك بسرعة، وفي إمكانها أيضاً أن تواصل المماطلة حتى يرغمها العالم على التوقف، أو ينقذها، بحسب تفسير كلّ طرف.
إمّا هذا، وإمّا... هناك عدد غير قليل من الدول التي أصرّت على اتباع سياسات رأت أنها صائبة، حتى في مواجهة خطر العزلة الدولية التي تزداد. في معظم الحالات، تلك الدول كان يحكمها زعيم واحد، أو تحكمها أنظمة استبدادية، ويكمن خوفها الأساسي في فقدان السلطة.
أي إن السؤال عمّا إذا كانت إسرائيل قادرة على الاستمرار في سياستها، على الرغم من التحركات المكثفة لعزلها، يمكن الإجابة عنه بأمثلة. روسيا تفعل ذلك، وكوريا الشمالية تفعل ذلك، وجنوب أفريقيا فعلت ذلك فترة غير قصيرة، وسورية فعلت ذلك، وإيران لا تزال تفعل.
الاستنتاج؟ نظرياً، إذا كانت «مركبات جدعون» تمثل، فعلاً، امتداداً لحرب وجود، فحتى هذا المسار ممكن.
ومّن يرى هنا «عمليات يجري التعرف إليها»، فهو يفعل ذلك على مسؤوليته الشخصية فقط.
المصدر: معاريف
نسخ الرابط :