رفع العقوبات الأميركية عن سوريا:
شرعية دولية أم صفقة سياسية؟
بقلم الدكتورة رشا ابي حيدر
في خضم التحولات السياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، جاء الإعلان عن رفع بعض العقوبات الأميركية عن سوريا كصفعة مفاجئة على وجه النظام القانوني الدولي. بين من اعتبرها بادرة لحل سياسي محتمل، ومن رأى فيها تسوية ضمنية مع نظام عوقب طويلاً، تطرح هذه الخطوة تساؤلات جوهرية: هل كان فرض العقوبات في الأصل متوافقًا مع القانون الدولي؟ وهل رفعها يُعد انتصارًا للسيادة الوطنية أم تراجعًا استراتيجيًا؟
- أولًا: العقوبات الأحادية في ميزان الشرعية الدولية:
بينما يقر ميثاق الأمم المتحدة بسلطة مجلس الأمن في فرض العقوبات بموجب الفصل السابع، تظل العقوبات الأحادية – كالعقوبات الأميركية – محط جدل واسع. فقد اعتبر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن هذه العقوبات قد ترقى إلى إجراءات غير قانونية تمس حق الشعوب في تقرير مصيرها الاقتصادي والاجتماعي. حيث أنه وفقاً لتقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة: "العقوبات الأحادية قد تشكل خرقًا للقانون الدولي الإنساني إذا أدت إلى معاناة إنسانية جماعية".
- ثانيًا: من العقوبة إلى المصالحة؟ قراءة في دلالات الرفع:
رفع العقوبات لا يتم غالبًا بناءً على اعتبارات قانونية مجردة، بل ينبع من تحولات استراتيجية في أولويات الدول الكبرى. في حالة سوريا، يُفهم القرار الأميركي – إن تحقق فعلاً بصورة شاملة – كمحاولة:
• لإعادة تدوير العلاقات مع النظام السوري بما يخدم مصالح واشنطن في التوازن مع النفوذ الإيراني والروسي.
• لتمهيد طريق العودة التدريجية لسوريا إلى النظام الإقليمي والدولي، ولا سيما بعد تحركات عربية نحو التطبيع.
• الدور السعودي (ضغوط ناعمة في اتجاه رفع العقوبات): لعبت المملكة العربية السعودية دورًا حاسمًا – وإن غير مباشر – في تهيئة البيئة السياسية التي مهدت لطرح مسألة رفع العقوبات عن سوريا على الطاولة الدولية. فمن خلال إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق وقيادة جهود عودتها إلى جامعة الدول العربية، دفعت الرياض باتجاه مقاربة إقليمية جديدة تُشجع على إعادة إدماج سوريا مقابل تقليص نفوذ طهران. كما شكّل النفوذ الاقتصادي السعودي وملف إعادة الإعمار ورقة ضغط ضمنية على واشنطن، التي باتت تأخذ بعين الاعتبار موقف حليفها الخليجي حين تدرس خياراتها تجاه الملف السوري.
- ثالثًا: ماذا يعني رفع العقوبات من منظور سيادة الدول؟
يُعد رفع العقوبات بمثابة تحرير جزئي لقدرات الدولة الاقتصادية والدبلوماسية، ويُفسر غالبًا كاعتراف ضمني بشرعية النظام الحاكم. من ناحية القانون الدولي:
• لا يُشكل رفع العقوبات اعترافًا قانونيًا رسميًا، لكنه يُعد مؤشرًا على تحول في طبيعة العلاقات الثنائية.
• يعيد للدولة المستهدفة جزءًا من حقها في الانخراط الحر في التجارة والمعاملات المالية الدولية، ما دام ذلك لا يتعارض مع قرارات مجلس الأمن إن وجدت.
- رابعًا: السوابق القانونية… هل التاريخ يعيد نفسه؟
• العراق (1990–2003 :( فرضت عليه عقوبات قاسية أدت إلى كارثة إنسانية، ثم رُفعت عقب تغيير النظام لا عبر المسار القانوني.
• إيران )2015 :( شهدت تخفيف العقوبات بعد الاتفاق النووي، لكنها عادت بفعل التبدل السياسي في واشنطن، ما أظهر هشاشة العقوبات الأحادية كأداة قانونية.
- خامسًا: سوريا في معبر القانون والسياسة:
في حال رفعت العقوبات بشكل دائم، ستجد سوريا نفسها أمام فرصة نادرة لإعادة تعريف مكانتها الدولية، ولكن هذه الفرصة تظل مشروطة بـ:
• مدى قدرة الدولة السورية على استثمار التغير السياسي دون انتهاك التزاماتها الدولية.
• إمكانية توظيف هذا التغير لصالح المصالحة الوطنية والانتقال السياسي، لا كتعزيز للواقع القائم فقط.
يبقى رفع العقوبات الأميركية عن سوريا حدثًا مشحونًا قانونيًا وسياسيًا، يعكس توازنات القوى أكثر مما يجسد عدالة القانون الدولي. وبين من يراه خطوة نحو السلام، ومن يعدّه خيانة لضحايا الانتهاكات، تظل الحقيقة أن القانون وحده لا يتحرك إلا إذا دفعته السياسة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :