إيجارات الدولة: مزراب هدر بملايين الدولارات سنوياً... هل تُقفِله الحكومة؟

إيجارات الدولة: مزراب هدر بملايين الدولارات سنوياً... هل تُقفِله الحكومة؟

 

Telegram

 

 

يُعيد قانون إيجارات الأماكن غير السكنية الذي أقرّه المجلس النيابي في جلسته الأخيرة فتح النقاش مجدّداً حول الفاتورة السنوية الباهظة التي تدفعها الدولة لقاء استئجار عدد من المكاتب والمباني والعقارات. فاتورة بالمليارات تسحب ليراتها الدولة من جيوب المواطنين لكي تدفعها بدلاً لإهمالها ملف الأبنية الحكومية المُمدّدة إيجاراتها منذ عام 1992.

 

في جلسة تمرير القانون، هربت الدولة – كما العادة – من القرارات الحاسمة، إذ عملت على «دفش» أزمة إيجاراتها ثماني سنوات إضافية، عبر تجديد صلاحية «تمديد المهل الزمنية قبل الإخلاء للعقود التي تتعلّق بالحق العام من إيجارات مؤسسات الدولة إلى المؤسسات المتعلقة بالمهن الحرّة والمنظمة بقانون كمهنة الصيدلة»، على قاعدة «يا بيموت الديب أو بيموت الغنم أو بيموت الراعي»، التي تعتمدها الدولة في غالبية قضاياها.

 

وهي لم تكتفِ بإرجاء المشكلة، بل زادت من الفاتورة التي ستكبدها للخزينة العامة مع إقرار الزيادات طوال السنوات الثماني من عمر التمديد، إذ ستدفع مقابل البقاء في الإيجار زيادات على بدلات الإيجارات تراوح بين 30% في السنة الأولى و60% في السنة الرابعة وبدل المثل كاملاً في السنوات الأخيرة.

 

ورغم إقرار موازنة عام 2018 قانوناً يتعلق ببرنامج تشييد أبنية حكومية بهدف الخروج التدريجي من ملف الإيجارات الذي غرقت في وحوله السلطة، ورغم وضع مهلة زمنية للتنفيذ أقصاها خمس سنوات ورصد اعتمادات بـ 750 مليار ليرة (على أساس سعر صرف 1500 ليرة لبنانية قبل الأزمة المالية)، إلا أن شيئاً لم ينفّذ، وبقي البند المتعلق بتكلفة الإيجارات في الموازنة بنداً ثابتاً، لا يُعدّل فيه سوى الأرقام التي تزداد عاماً بعد آخر.

 

ففي موازنة عام 2024، كانت هذه الإيجارات تقتطع من الموازنة ما يقارب 11.5 مليون دولار، أي 1070 مليار ليرة لبنانية. أما في العام الحالي، فبلغت تكلفة الإيجارات في بند الخدمات الاستهلاكية ما يقارب 17.4 مليون دولار (1557 مليار ليرة لبنانية)، مُقسّمة بين إيجارات مكاتب تصل إلى 6.5 ملايين دولار (580 مليار ليرة) وإيجارات مدارس بـ 2.4 مليون دولار، أي ما يوازي 218 مليار ليرة، فضلاً عن إيجارات العقارات، التي تبلغ 8.5 ملايين دولار (760 مليار ليرة).

 

وتشكّل هذه الإيجارات نسبة 50% من إجمالي بند الخدمات العامة في الموازنة، الذي تبلغ قيمته 3130 مليار ليرة، أي حوالى 35 مليون دولار، كان من الممكن الاستغناء عنها لو أن الدولة رتبت أولوياتها أو على الأقل خرجت من دوامة التنفيعات. إذ إن جزءاً من هذه المكاتب استُأجرت كـ«تنفيعة» إما لوزير أو لشخصية سياسية، كما هي حال مبنى «ستاركو» الذي تستأجره الدولة لصالح مكتب وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية من رئيس حكومة سابق. وجزء آخر ليس سوى هدر للمال العام، كالمبنى المستأجر لصالح منظمة «إسكوا» من شركة «سوليدير». وهذان نموذجان من أصل عشرات تستأجرها الدولة مقابل مبالغ باهظة.

 

مئات الأبنية المستأجرة

ويُشار في هذا السياق إلى أنه لا يوجد إحصاء حتى اللحظة لعدد المباني أو المكاتب التي تستأجرها الدولة، باستثناء الرقم الذي ذكره مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، في عهد الوزير محمد فنيش، وهو 57 مبنى. وهو في الأساس عمل مديرية المباني في وزارة الأشغال العامة والنقل، الذي يحتاج إلى فريق عمل، غير متوافر. فهو يتكون حالياً من سبعة أشخاص، ما لا يكفي لإجراء زيارات ميدانية وإحصاء عدد المباني، عدا عن استطلاع أحوالها.

 

وفي ظل عدم وجود الرقم الدقيق، يشير رئيس «الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين»، كاسترو عبد الله، إلى «وجود ما لا يقل عن 360 مبنى مدرسياً وحوالى 100 مخفر وقصر عدل وعشرات مكاتب الوزارات وفروع للجامعة اللبنانية وغيرها». أما الأنكى من ذلك، فهو أن الدولة مستأجِرة بملايين الدولارات، رغم امتلاكها الكثير من العقارات المُؤجَّرة بأثمان بخسة. ويذكر على سبيل المثال لا الحصر «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يشغل مبنى مستأجراً في منطقة بئر حسن بإيجار قديم، وآخر في منطقة الروشة بإيجار حديث، فيما يملك عقاراً في الباشورة».

 

أما بالنسبة إلى أحوال تلك المباني وعقود إيجارها، فهي ليست بأفضل أحوالها، ولا سيما ما يتعلق بصيانتها. وبحسب مصادر وزارة الأشغال، فإن صيانة تلك المباني «يخضع في أحكامه لما تنص عليه عقود الإيجار المبرمة ما بين الدولة والمالك، إذ تتولى الدولة أعمال الصيانة الداخلية، مع ترك تلك الخارجية على عاتق المالك». وبقيت الأمور تسير على ما يرام، إلى أن حدثت الأزمة المالية التي قلبت الواقع رأساً على عقب، إذ ترك الطرفان الصيانة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما جعل الكثير من المالكين يتقاعسون عن إجراء الصيانة المطلوبة منهم. أما الدولة، فتلتزم بالحد الأدنى من واجباتها في بند الصيانة «في إطار المحافظة على السلامة العامة واستمرارية العمل». لا أكثر من ذلك ولا أقل.

 

الحلول المطروحة

ولأنه لم يعد في مقدور الدولة الاستمرار في هدر الأموال العامة، شكّل مجلس الوزراء في جلسة عقدت أواخر تموز الماضي لجنة وزارية من الوزارات المعنية بالإيجارات القديمة (الداخلية والخارجية والمالية والعمل والدفاع والتربية) لمناقشة قضية الإيجارات والخروج بحلول عملية تعفي الدولة من هدر ملايين الدولارات سنوياً. وفي هذا السياق، يشير عضو اللجنة، وزير العمل محمد حيدر إلى أن «اللجنة أعطيت مهلة شهر أو شهرين للعمل على إعداد قانون يتضمن الحلول الممكنة»، لافتاً إلى أن الوزارات المعنية أعطيت المهلة «لتحصي ما لديها من توابع لإعطاء رقم دقيق للعمل على أساسه».

 

ويكشف حيدر عن وجود إحصاء لهذه الأبنية، إلا أنه يوضح أن الرقم ليس دقيقاً ويوجب بعض التعديلات. ويشير استناداً إلى النقاشات التي جرت خلال جلسات مجلس الوزراء إلى «توجّهين لدى الدولة في ما يتعلق بالإيجارات القديمة، التوجه الأول أن تكون الأبنية الحكومية المشغولة اليوم مملوكة من قبل الدولة، كما آل إليه الحال في السجل التجاري»، ودون هذا التوجه كلفة على الدولة دراستها بناء على قدرتها والسعر الذي سيعرضه المالك. أما التوجه الآخر، «فهو التشاور حول عقار تملكه الدولة يمكن أن يبنى فيه تجمع يضم عدة مكاتب أو وزارات»، ولكنه توجه يحتاج إلى بعض الوقت وإلى تمويل، وإن كانت كلفة أي خيار «تبقى أخف من الإيجارات التي تدفعها الدولة».

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram