الوكالة العربية الإفريقية للانباء
سامي كليب
ماذا سيكتب التاريخ عن هذه المرحلة المُذلّة من تاريخِنا العربي؟ ماذا سيخترعُ مؤرِّخو البَلاط لتزوير هذا الذُل لاحقًا، وتصويرِه بطولاتٍ كما فعلوا في تاريخِنا مع كلِّ الهزائم؟ كيف سُيبرّر هؤلاء عجز ملياري مُسلم وكلِّ العرب عن منع موتِ طفلٍ أو رضيع، قتلاً أو جوعًا أو مرضًا؟ ماذا سيقولون عن دفن رؤوس معظم الشعوب والمثقفين والفنانين والنقابات والمفكّرين العرب في الرمال، بينما تعمّ التظاهرات وتتعدّد المواقف في دول العالم رفضًا لجريمة العصر وإبادة غزّة. كيف سيُبرّرون أنِّ دولةً أفريقيّة، لا عربيّة، أيّ جنوب افريقيا هي التي تقدّمت بالدعوة القضائيّة العالميّة ضد نتنياهو ورئيس أركانه وجماعته المتطرّفة.
أنْ تكره حماس، فهذا حقُّك وتستطيع تبريرَه، لكن أنْ تستخدم هذا الكُره شمَّاعةً للموافقة الضمنيّة على الإبادةِ وعلى مسح فلسطين بكاملها عن الخريطة، فانت متواطئٌ بالجريمة. أنْ تكره حزبَ الله، هذا حقُّك، لكنْ أن تقبلَ بتدمير وتجويع لُبنان، وتبرير العدوان وتصوير إسرائيل حمامةَ سلام فهذا تواطؤ بالجريمة. أنْ تكره نظام بشّار الأسد شيءٌ، لكن أنْ تصمُتَ عن احتلال رُبع سورية، وتدمير جيشها، وعن خطر تقسيمها، فهذه جريمة.
يعيش العالم النامي، أكان عربيًّا أو إفريقيًّا أو في أميركا اللاتينية أو آسيا، أكثر مراحله خطورة وسط الجشع العالمي حيال الثروات والمعابر. وما كانت إسرائيل تُضمرًه للشرق الأوسط، صارت تقولُه علنًا لجهة قضم كلّ فلسطين وإقامة إسرائيل الكُبرى التي لن تقتصر على فلسطين، بل ستتمدد صوب لبنان وسورية والأردن ورُبّما مصر ودول أخرى. فلماذا كلّ هذا التذلل لاحتلال يقول لكم: “من لم يفهم بالقوّة سنُمارس ضدّه مزيدًا من القوّة”؟
نحن أمام خرائط تُرسم بالدم والدمار والدموع، وسوف يسقط العرب مرّة ثانية بفخ الوعود المعسولة والتي تُخفي تحتها خططًا تقسيميّة خطيرة. سوف يُكرّرون خطيئة ما بعد الحرب العالميّة الأولى التي قاتلوا فيها بناءً على وعودٍ بالاستقلال، فكانوا أولى ضحايا سياسة الاستعمار والانتداب ونهب الثروات.
الهزيمة ليست قدرًا، لكن عملية الترميم التي ستكون طويلة تحتاج إلى أكثر من السلاح، هي تحتاج أولاً الى توحيد الكلمة العربيّة، وإعادة بناء جسور اللُحمة الحقيقيّة مع إفريقيا، وكلّ الدول الداعمة للحق الفلسطينيّ والرافضة الهيمنة من أميركا اللاتينية إلى آسيا وصولاً إلى عدد من الدول الأوروبية لا بل وحتّى الى عدد من النُخب الغربيّة بما فيها تلك الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية نفسها. وتحتاج إلى دعم الجيوش التي وإنْ اقامت دولها علاقات سلام مع إسرائيل، مثل مصر، فهي ما زالت في مجهر العداء الإسرائيلي، ويقيني أن الجيش المصري يُدرك تمامًا ذلك في بلد ما زال قلبه ينبض على قلب فلسطين، وخصوصًا بعد تدمير الجيش السوري.
وتحتاج عملية الترميم كذلك إلى تطوير ما نجحت عبره إسرائيل في إذلال ملياري مُسلم ومعظم دول العالم والوطن العربي، إي التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والعلوم، فهذه ستكون أعمدة المُستقبل لمن يُرد الخروج من مرحلة الذُل إلى ساحة الكرامة. اليكم بعد الأرقام:
تقع إسرائيل ضمن المستوى الثاني عالميًّا في الأمن السيبراني الذي أدخلته في مجال الحروب والتجسس، وتشكل ما بين 10 و12 % من صادرات الامن السيبراني العالميّة ولديها ما لا يقل عن 500 شركة في هذا القطاع، لكن ذلك لم يمنع ن اختراقها بنحو 1500 مرة منذ أكتوبر 2023. وهناك دول عربية تقدّمت جدا في الأمن السيبراني مثل مصر والإمارات والسعودية، لكن إسرائيل متفوقة جدا في الصناعات في هذا المجال.
تنفق إسرائيل ما يترواح ما بين 5 و6 % من إنتاجها القومي على البحث العلمي، وهذا يمثل أعلى نسبة إنفاق في العالم، بينما تنفق الدول العربية مجتمعة ما مقداره 0.2% من دخلها القومي، مع بعض الاستثناءات حيث ان مصر وبعض دول الخليج وبينها السعودية والإمارات رفعت نسبة استثماراتها في البحث العلمي.
تشكّل التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل نحو 20 % من الناتج الاقتصادي الوطني و53 % من الصادرات، مع وجود أكثر من 9,200 شركة تقنية و400,000 موظّف في القطاع
تمتلك إسرائيل ثالث أكبر عدد من شركات الذكاء الاصطناعي التوليدية عالميًا (73 شركة)، وتخطط لبناء أول حاسوب فائق لدعم البحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي ضمن برنامج وطني قبل نهاية العام 2027
الهزيمة ليست قدرًا، فلنفترض أنَّ أحد عباقرة التكنولوجيا من الشباب العرب اكتشف يومًا كيفية تعطيل الطائرات الإسرائيلية أو البرامج التكنولوجية، ماذا يبقى من كيانٍ لم يقبل يومًا سلامًا حقيقيًا، فركل نتائج مؤتمر مدريد، وقتل اتفاقات أوسلو وواي بلانتايشن، وسخّف نتائج القمة العربيّة في بيروت عام 2002 والتي عرضت التطبيع الكامل مقابل استعادة الأراضي وإقامة دولة فلسطينية بحدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقيّة. ماذا سيبقى من كيان، دمّر كل غزة، وأباد جزءًا كبيرًا من شعبها، لكنّه ما زال بعد نحو عامين من الإبادة والتدمير والقتل والتجويع وكل أنواع التجسس غير قادرة على إطلاق سراح رهينة بالقوة، ولا على كسر عزيمة شعب يقول له منذ 77 عامًا:” لن نرحل، وسنموت مرفوعي الرأس”. إذا كان هذا الشعب المُحاصر من كل حدب وصوب، استطاع الصمود عامين، فكيف لو إتخذ العرب موقفًا موحَّدًا لصد جنون هذا المعتوه الدمويّ وداعميه.
ماذا سيقول التاريخ ما لم نقم بكل ذلك، غير أنَّنا قَبِلنا أن نُصبح أمّة ذليلة في طور الانقراض!!!.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :