هل يتجه لبنان نحو كامب ديفيد ثان

هل يتجه لبنان نحو كامب ديفيد ثان

 

Telegram

 

بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر

في خضم التطورات الإقليمية المتسارعة، ومع توقيع اتفاق وقف العمليات العسكرية بين لبنان وإسرائيل عام 2024، تطرح الساحة السياسية والإعلامية سؤالاً محوريًا: هل يمهد هذا الاتفاق الطريق نحو تسوية شاملة تكرّس واقعًا جديدًا يشبه ما شهدته المنطقة عقب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979؟

 قد تبدو المقارنة للوهلة الأولى بعيدة أو حتى مستفزة في نظر البعض، نظرًا لاختلاف السياقات والتوازنات، غير أن ملامح التشابه في بعض الجوانب القانونية والسياسية تدفع إلى التأمل في هذا الطرح. فما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الاتفاقين؟ وما الذي يجعل البعض يتحدث عن "كامب ديفيد لبنانية"؟ وهل نحن أمام اتفاق عابر أم نقطة تحول في مسار الصراع العربي الإسرائيلي؟

امام هذا الواقع يجب تسليط الضوء على تلك التساؤلات، من خلال تحليل البعد القانوني والسياسي للاتفاقين، واستشراف ما قد يحمله المستقبل من تغيرات في المشهد الإقليمي.

أولاً: الطبيعة القانونية للاتفاقين

1. اتفاقية كامب ديفيد 1979

اتفاقية في طبيعتها معاهدة دولية، أبرمت بين دولتين عضوين في الأمم المتحدة (مصر وإسرائيل)، وجرى تسجيلها وفق المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة. تتضمن التزامات دائمة، أبرزها الاعتراف المتبادل، التطبيع الكامل، وترسيم الحدود، ما يجعلها خاضعة لأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.

2. اتفاق وقف العمليات العسكرية 2024

اتفاق ذو طابع عملي وأمني مؤقت، برعاية دولية. لا يتضمن اعترافاً متبادلاً ولا ينشئ علاقات دبلوماسية، ما يضعه في إطار الاتفاقات غير التقليدية أو الاتفاقات الأمنية المؤقتة، وفق ما يُعرف في الفقه الدولي بـ "اتفاقات الأمر الواقع".

ثانياً: الإطار الدولي والسياسي

• كامب ديفيد أبرمت برعاية مباشرة من الولايات المتحدة وتمخضت عنها معاهدة سلام شاملة، وتضمنت نصوصاً حول القضية الفلسطينية ومبادئ عامة للسلام في الشرق الأوسط، رغم أن مخرجاتها بقيت ثنائية في التنفيذ.

• اتفاق 2024 جاء بضغط من الأمم المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، بوساطة اميركية في أعقاب تصعيد عسكري خطير بين إسرائيل وحزب الله، ما يجعله نتاجاً لظروف طارئة لا لاتفاق سياسي دائم. لم يُسجل حتى الآن كاتفاق دولي رسمي في سجلات الأمم المتحدة، بل يُنظر إليه كـ"ترتيب ميداني".

ثالثاً: الالتزامات والنتائج

تباينت الالتزامات والنتائج المترتبة على اتفاقية كامب ديفيد لعام 1979 واتفاق وقف العمليات العسكرية بين لبنان وإسرائيل لعام 2024 من حيث الشكل والمضمون والأثر القانوني. فقد رتّبت كامب ديفيد التزامات ثنائية واضحة وملزمة، شملت انسحاب إسرائيل الكامل من شبه جزيرة سيناء، وإنشاء علاقات دبلوماسية رسمية بين الطرفين، وضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية، إلى جانب تنظيم الوجود العسكري المصري في سيناء ضمن ترتيبات أمنية دولية بإشراف أمريكي. وقد أفضت هذه الالتزامات إلى نتائج قانونية وسياسية بعيدة المدى تمثّلت في إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل وتوقيع أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية، مع ما تبع ذلك من اعتراف دبلوماسي متبادل وتعاون أمني محدود مستمر حتى اليوم.

في المقابل، اقتصر اتفاق وقف العمليات العسكرية لعام 2024 على التزامات أمنية مؤقتة ذات طابع ميداني، تمثلت في وقف إطلاق النار لمدة محددة، وانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وانسحاب قوات حزب الله شمال نهر الليطاني، مع نشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية وتشكيل لجنة رقابة دولية لمتابعة التنفيذ. ورغم أن الاتفاق ساهم في خفض التوترات الميدانية، إلا أن نتائجه بقيت مرحلية وهشّة، نظراً لغياب الاعتراف المتبادل، ولقابلية الاتفاق للخرق، ولعدم اعتماده كمعاهدة رسمية. وعليه، فإن أثره القانوني يظل محدوداً، وإن كان مهماً من الناحية الإنسانية والسياسية في ظل تصاعد النزاع.

رابعاً: التقييم القانوني والسياسي

• كامب ديفيد تُعد نموذجاً لاتفاق السلام الثنائي المنظم، وقد أرست سابقة في العلاقات العربية-الإسرائيلية، وإنْ كانت من جانب واحد.

• اتفاق 2024 يظل مرهوناً بحسابات القوة والردع، ويعكس التحدي القانوني في التعامل مع كيانات غير حكومية كأطراف فاعلة في النزاعات المسلحة، وهو ما يتطلب تطوير أدوات القانون الدولي الإنساني وآليات الوساطة.

يتضح من خلال المقارنة أن اتفاقية كامب ديفيد تمثل اتفاقاً دولياً مكتمل الأركان، بينما يُعد اتفاق وقف العمليات العسكرية 2024 اتفاقاً ميدانياً غير متكامل من الناحية القانونية. ومع ذلك، فإن لكل منهما أثره في هندسة الواقع السياسي في المنطقة.

وبالرغم من كل الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، لدفع لبنان نحو اتفاق مع إسرائيل يكون "أقل من التطبيع وأكبر من اتفاقية الهدنة"، حتى مع التسريبات الإسرائيلية التي تقترح مقايضة الانسحاب من الأراضي اللبنانية باتفاق تطبيع، إلا أن الحكومة اللبنانية ترفض هذه الضغوط مؤكدة أن هذه المقترحات غير مطروحة. ومن هنا تبرز الحاجة إلى تطوير آليات قانونية تعكس تعقيدات الصراعات غير التقليدية، خاصة في الشرق الأوسط.

 

 

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram