الوقت لاستكمال المسيرة

الوقت لاستكمال المسيرة

 

Telegram

 

 

استعصت الكلمة وضاقت العبارة، حين انعقد عليها الرجاء في الحديث عن زعيم طالما ملأ الدنيا وشغل الناس، وفي وصف حال أمّة صنع لها الرجل مكانة في التاريخ.

الحديث عن السيد حسن نصرالله حديث عن الأمجاد والسؤدد والمعالي، مثلما هو حديث عن التاريخ بحقبه السالفة والحاضرة والآتية، وفي الوقت عينه، هو مقاربة بين النظر والعمل في مسيرة رجل عمر الحياة بالمعاني والأعمال.

 

يقول المفكّر الإسلامي حسن الترابي، إنّ الجهاد هو استفراغ الوسع لتحقيق المراد الإلهي، وهو المعنى ذاته الذي مثّل حياة السيد حسن نصرالله، فقد عُرف مجاهداً بذل كل جهده، وسخّر كل حياته لتحقيق المراد الإلهي، وهل من مراد للربّ أكثر من سعي صادق ودؤوب لتحقيق الحرّية والعدل والكرامة الإنسانية؟! وهل من تجلّ لهذه الثوابت الإنسانية أجلى وأوضح من سعي لاستعادتها بعدما سلبها المشروع الصهيوني-الغربي في فلسطين ولبنان والمنطقة؟!

 

لقد عرف نصرالله مراد الله الحق، وبلغ المعرفة بعدما بذل جهده العقلي بحثاً وتنقيباً، وأكمل مسعاه في معرفة ذلك بالعمل المنبعث من نفسٍ بالغة الاستقامة. عمل في كل المساقات، عملاً متعدد الأوجه، ينطلق من جهد تنظّمه استراتيجيات وخطط، شملت صناعة الوعي، وتقوية الإرادة، وحشد وتنظيم الطاقات، وبناء القوة الشاملة بكل عناصرها.

كانت استقامة الرجل حاضرة في كل وقت وحين، جسّدتها سيرته وأكّدتها وقائعها، فعرف بصدق يصدقه عمل، فجاءت فصول حياته منارات مضيئة أحسن فيها الفعل والقول.

 

لم تُغْرِه الحياة الدنيا بزخرفها وزينتها، ولم تكرهه غريزة الحذر والتوقّي والاحتراس، فقدّم نفسه في سبيل ما آمن به، وقدّم قبلها ابنه أُسوة برفاقه الذين مضوا في ذات الطريق.

كان دمثاً لطيفاً، وكان صارماً صلباً حين يقتضي الحال صرامة وصلابة، وحين بلغه نبأ استشهاد نجله، اعتصر حزنه وحبسه، حتى لا يُري عدوه منه ضعفاً، فأبدى قدرة فائقة في التعامل مع ذاك الظرف، أفقدت العدو فرصة أن يراه في لحظة ضعف.

 

كان خطابه مادة للتثقيف ولبناء الوعي، واكتسى خطابه رصانة وسلاسة وقوة، تزيدها ابتسامته جمالاً، ويزيدها رفع إصبعه قوة وصرامة.

أشْعَرَ مُسْتَضْعَفِي الأرض أنه نصيرهم، المعبّر عن آهاتهم وتطلعاتهم، وهذا سرّ من أسرار نجاح زعامته التي تجاوزت الحدود والانتماءات والهويات، فصار رمزاً عالمياً يبني ويقود مشروع تحرّر عالمياً على أسس جديدة، تواجه طغيان واستبداد المشروع الصيوني-الغربي بأبعاده الإمبريالية الرأسمالية المتوحّشة، معتمداً على ثلاثية الحرّية والعدل والكرامة بوصفها ركائز مشروع التحرّر والانعتاق الكوني الذي يؤسس له.

 

أيقن السيد نصرالله أن وحدة الأمّة فريضة لازمة، فجعلها أولى أولوياته، وعلم أنها المنطلق لوحدة إنسانية تمثّل هدفاً ومطلباً لا غنى عنه في مسار صناعة تاريخ إنساني جديد، في وقت يطغى فيه مشروع غربي تجرّد من قيم الإنسانية وبات مهدّداً لها. ولهذا كان السيد الشهيد جسر الوصل والتواصل.

 

يقارن البعض السيد نصرالله ببعض القادة والزعماء في العصر الحديث، لكنها مقارنة غير منصفة لأسباب عديدة، أولها أنه جمع مزايا من قورن بهم، ولم يجمعوا ما اتّصف به، وثانيها أنه انطلق من فكرة ومشروع أكثر عمقاً، ومن كاريزما استثنائية لم تتوفر لغيره حتى اليوم، وثالثها تميّزه بقدرة فائقة في التخطيط والتدبير والتعبير تُرجِمت على الأرض مشروعات للمدافعة والانتصار والإعمار الحضاري المؤسّس على أسس متينة وسليمة، ورابع الأسباب اعتماده على حركة تغيير اجتماعي وسياسي، بينما كانت السلطة بوظائفها وإمكاناتها هي منطلق الآخرين.

 

لو تسنّى للسيد الشهيد أن يقول شيئاً في ساعة تشييعه، لقال لمشيّعيه الذين يأتونه من كل فجّ عميق، إن الوقت لاستكمال المسير لا للعزاء والرثاء، وإن بين أيديهم من عناصر الدفع والقوة ما ليس عند عدوهم، فعضُّوا عليها بالنواجذ ولا تتركوها للنوازل.

 

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram