بعد أكثر من خمسة عشر شهرا من الحرب، لم تسفر محادثات وقف إطلاق النار الشاقة بين إسرائيل وحماس عن أي حل سياسي على الطاولة بشأن مستقبل قطاع غزة ما يزيد التساؤلات حول من سيتولى إدارة هذا القطاع المدمر.
غزة - يوفر اتفاق وقف إطلاق النار على مراحل وإطلاق سراح الرهائن بين إسرائيل وحماس، احتمالا لوقف الحرب التي استمرت 15 شهرا والتي جلبت دمارا هائلا على غزة، لكن فوائد وقف إطلاق النار، وفق محللين، قد تتلاشى بسرعة.
ويقول هيو لوفات، عضو المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن بدون خطة دائمة لتفكيك حماس، وإقامة حكم محلي في قطاع غزة، وجلب دعم حفظ السلام الدولي، فإن فوائد وقف إطلاق النار قد تتلاشى بسرعة.
وتنقسم الصفقة إلى ثلاث مراحل؛ في المرحلة الأولى، سيتم إطلاق سراح 33 امرأة وطفلا ورجلا مريضا أو فوق سن الـ55 عاما على مراحل على مدار 42 يوما. ومن بين الرهائن الذين يُعتقد أن حماس احتجزتهم في شبكة الأنفاق تحت غزة منذ السابع من أكتوبر، مواطنان أميركيان. وفي المجموع، لا يزال 94 رهينة في الأسر، بما في ذلك 34 يُعتقد أنهم ماتوا.
كما سيسمح الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة شمال غزة بالعودة، على الرغم من أن معظم المنطقة ومنازلهم في حالة خراب كامل.
وفي اليوم السادس عشر من التنفيذ، ستبدأ المفاوضات بشأن المرحلة التالية من الصفقة، والتي ستشمل إطلاق سراح الرهائن المتبقين الذين احتجزتهم حماس. وكجزء من هذه المرحلة، ستسحب إسرائيل قواتها إلى حزام دفاعي سيعمل كحاجز بين قطاع غزة وإسرائيل.
وفي مقابل تحرير الرهائن، ستفرج إسرائيل عن السجناء الفلسطينيين وفقا لنسبة متفق عليها لكل رهينة إسرائيلي ميت أو حي أو مدني أو جندي.
وفي الموجة الأولى، سيتم إطلاق سراح المئات من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين حاليا في السجون الإسرائيلية. كما ستسمح إسرائيل بتدفق المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وستشمل المرحلة الثالثة من الصفقة إطلاق سراح الرهائن القتلى المتبقين وستركز على إعادة إعمار غزة بإشراف مصر وقطر والأمم المتحدة. وفي هذه المرحلة، من المتوقع أن تنسحب إسرائيل بالكامل من قطاع غزة.
ويفتح هذا الاتفاق إمكانية إنهاء القتال في غزة وقد يسمح بالخطوات الأولى نحو إعادة الإعمار والاستقرار في الجيب الفلسطيني. كما قد يسمح ذلك لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب القادمة بالتركيز على قضايا أخرى أكثر أهمية في أجندتها للسياسة الخارجية، مثل صفقة جديدة محتملة مع إيران واستئناف محادثات التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، المرتبطة بإنشاء تحالف أمني جديد مع الولايات المتحدة.
وبالنسبة لإسرائيل، يعني ذلك إمكانية إنهاء أطول حرب خاضتها، والتي كلفت ثروة، وتآكلت مكانتها الدولية وقسمت مجتمعها بشدة بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها. وقد ينهي حالة الطوارئ التي كانت سارية منذ السابع من أكتوبر 2023، مما يسمح للمجتمع الإسرائيلي ببدء تعافيه.
ويرى آشير كوفمان، أستاذ التاريخ ودراسات السلام في جامعة نوتردام، أن هناك علامات استفهام كبيرة حول المراحل اللاحقة من الصفقة.
ويبدو وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، مهتمين أكثر بالاحتلال الدائم لقطاع غزة من إطلاق سراح الرهائن. وعلى هذا فإنهم سوف يترددون في الموافقة على أي تدابير من شأنها أن تؤدي إلى تسليم الحكم والأمن في الجيب إلى الفلسطينيين.
وأوضحت الحكومة الإسرائيلية طوال الصراع أنها لا تتصور أي دور لحماس في غزة بعد الصراع. ولكن منافس حماس الرئيسي، السلطة الفلسطينية، لا تتمتع بمصداقية كبيرة بين سكان غزة. وهذا يترك سؤالا محيرا حول من سيحكم غزة.
الدول العربية تطالب بإقامة عملية سياسية تهدف إلى قيام الدولة الفلسطينية كشرط أساسي لالتزامها المالي
ويرى الباحث خافيير غينارد، المتخصص في القضايا الفلسطينية في مركز نوريا للأبحاث، أنه “من الجنون أن نتجاهل القضايا السياسية عندما نفكر في حجم الدمار البشري والمادي الذي جعل غزة غير صالحة للسكن.”
ويقول غينارد “السلطة الفلسطينية لا تملك الموارد اللازمة” لإدارة هذا الوضع “وتعتمد على المانحين الخارجيين.”
ويضيف “خطط إعادة إعمار غزة مبنية بشكل منهجي على فكرة أن دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ستوافق على المساهمة.” وتدارك “لكن هذه الدول تكرر أن عصر هذا التمويل بلا مقابل قد انتهى.”
وأكدت مصادر دبلوماسية عدة أن الدول العربية تطالب بإقامة عملية سياسية تهدف إلى قيام الدولة الفلسطينية كشرط أساسي لالتزامها المالي.
ويشير غينارد إلى أن هذا الموضوع يشكل “خطا أحمر” بالنسبة لإسرائيل، سواء داخل الحكومة أو بالنسبة لغالبية الرأي العام. وقال دبلوماسي في القدس “مهما حدث، فإنه سيكون بمثابة صداع للأطراف المعنية.”
ومنذ أشهر، يكرر مسؤولون فلسطينيون من كافة الفصائل أن إدارة الأراضي هي مسؤوليتهم، وأنهم لن يتسامحوا مع أي تدخل أجنبي.
وبعد محادثات في القاهرة، اتفق ممثلو حماس وفتح على تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة، بعد انتهاء الحرب. وستتألف من شخصيات غير حزبية بقيادة السلطة الفلسطينية.
وبفضل تشجيع خفي من جانب جزء من المجتمع الدولي، تحاول السلطة الفلسطينية، ومقرها في رام الله، البقاء حاضرة في غزة، وخصوصا من خلال البلديات التي لا يزال موظفوها المدنيون يعملون فيها.
كما أن إعادة فتح معبر رفح، بوابة الخروج من القطاع إلى مصر، والتي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي في مايو 2024، هي أيضا موضوع مفاوضات غير رسمية وغير مباشرة بين مصر وإسرائيل والفلسطينيين وشركاء أجانب مثل الاتحاد الأوروبي. وفي حال تمكنت السلطة الفلسطينية من إدارته، فإنها ستفتح الطريق أمام عودتها إلى قطاع غزة.
وهناك أيضا مخاوف من أن إسرائيل إذا كانت مهتمة حقا بالتنفيذ الكامل للصفقة، فإنها كانت لتتمكن من التوصل إلى اتفاق يشمل الانسحاب الكامل من غزة في مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن، بدلا من اتفاق يتم تنفيذه على مراحل.
وكانت هذه الصفقة على الطاولة منذ مايو 2024 على الأقل. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته عارضاها بشكل أساسي بسبب رغبتهما في بقاء إسرائيل مسيطرة على غزة.
ويريد بعض وزراء حكومته أيضا إنشاء مستوطنات يهودية في قطاع غزة وتحدثوا صراحة عن تهيئة الظروف لتقليل أعداد الفلسطينيين في القطاع.
كما اقترح منتقدو نتنياهو أن رئيس الوزراء أراد إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة لأنها تخدمه سياسيا. لكن دخول دونالد ترامب إلى المعادلة بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة غيّر الديناميكيات بين إسرائيل وحماس والولايات المتحدة.
ويريد ترامب أن يُنظر إليه باعتباره صانع صفقات على الساحة العالمية، ويشعر نتنياهو – الحليف الوثيق للجمهوري – بالميل لمساعدة ترامب في هذه المسألة.
وهناك أيضا آمال في إسرائيل بأن إبرام صفقة الآن يمهد الطريق لاستئناف محادثات التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهي العملية التي بدأت في عهد إدارة ترامب الأولى.
وربما يراهن نتنياهو على التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية لموازنة سمعته الملطخة في الداخل باعتباره الزعيم الإسرائيلي المسيطر عندما وقع هجوم السابع من أكتوبر.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :