بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، خصصت وسائل الإعلام الغربية، وخصوصاً التلفزيونات والصحف الفرنسية، مساحات واسعة للحديث عن الظلم في السجون السورية، وعن الاعتقال التعسفي والتعذيب وتجاوز القانون والمعايير الإنسانية، وعن حقوق الناس وكراماتهم، واحتفت بسقوط النظام الذي سجن الآلاف من دون وجه حق.
وتعدّ فرنسا من أكثر الدول الغربية التي تشدد على وجوب تجنّب الاعتقال التعسفي ومنع سجن الأفراد خلافاً للقانون. ولا يفوّت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مناسبة للحديث عن وجوب احترام حقوق الإنسان والرضوخ لحكم القانون. وبالتالي، لمناسبة زيارته لبيروت اليوم، يُفترض تذكير ماكرون بأن معايير حقوق الإنسان ليست انتقائية وفق المصالح السياسية، وبأن بلاده تحتجز، ظلماً وتعسفاً، مواطناً لبنانياً اسمه جورج ابراهيم عبد الله، يبلغ من العمر اليوم 74 عاماً، وكان يُفترض أن يُطلق سراحه منذ أكثر من عقدين.
أكثر من 40 عاماً قضاها المناضل اللبناني حتى اليوم خلف القضبان الفرنسية بعد اعتقاله عام 1984، وهي ضعف مدة عقوبة السجن المؤبّد التي تحتسب 20 سنة كحد أقصى، وكان يفترض أن يخلى سبيله منذ عام 2004 كحد أقصى. إلا أن السلطات الفرنسية مدّدت اعتقاله مرات عدة رافضة، تحت الضغط الأميركي، منحه إطلاق سراح مشروط، خلافاً للقانون وانتهاكاً لأبسط معايير حقوق الإنسان.
منذ البداية، اعتبر جورج عبد الله باريس شريكة للعدو بدعمها الكامل لآلة الحرب والاحتلال الإسرائيلي، ولم يعترض على الحكم لعدم اعترافه بشرعية المحاكم الفرنسية التي أصدرت، في السنوات الماضية، عدة قرارات بإطلاق سراحه. لكن، في كل مرّة، كان الحكم يُستأنف، وترفض السلطات إطلاقه لأسباب سياسية. آخر القرارات بالإفراج عنه وإبعاده إلى لبنان، صدر في 15 تشرين الثاني الماضي، وكان يفترض تنفيذه في 6 كانون الأول 2024. إلا أن وزارة العدل الأميركية تدخلت لدى السلطات الفرنسية لعدم تنفيذ إطلاق السراح بحجة أن عبد الله يشكل خطراً على سلامة الأميركيين بسبب نشاطه الثوري خلال ثمانينيات القرن الماضي. وفي 19 كانون الأول 2024 نظرت المحكمة في الاستئناف الذي تقدم به الادعاء الفرنسي رفضاً لإخلاء السبيل، وحُدّد يوم 20 شباط المقبل موعداً لتلاوة قرار غرفة الاستئناف. فيما لا توجد بوادر جدّية بأن القرار سيكون مختلفاً عن القرارات السابقة التي مدّدت الاعتقال الظالم لجورج إبراهيم عبد الله.
المناضل اللبناني الثوري كان يبلغ من العمر 34 عاماً يوم اعتقل في باريس عام 1984، ولم تغيّر سنوات السجن الطويلة من مواقفه المناصرة للشعب الفلسطيني وللمظلومين في كل مكان. وهو قال لصحيفة «لومانيتيه» الفرنسية في كانون الأول الماضي: «إطلاق سراحي تفصيل أمام الأوضاع التي يعيشها العالم والاعتداءات المتكررة على حقوق الشعوب وحريتها».
الرؤساء والمسؤولون اللبنانيون الذين سيلتقون الرئيس الفرنسي في بيروت، عليهم واجب تذكيره بأن أحد مواطنيهم معتقل ظلماً في سجون بلاد «الحرية والمساواة والأخوّة» خلافاً للقانون ولمعايير حقوق الإنسان، وأن الوقت حان لفك أسره وعودته الى عائلته ورفاقه وبلده.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :