الجزائر
صوت المقاومة ودعامة الاستقرار العربي
بقلم الدكتورة رشا إبراهيم أبو حيدر
أستاذة جامعية وناشطة اجتماعية
تاريخيًا، لعبت الجزائر دورًا بارزًا في المنطقة العربية، مستندة إلى مبادئها الثابتة في دعم حركات التحرر الوطني والقضايا العادلة. تميزت الجزائر بعد استقلالها عام 1962 بموقفها الراسخ في دعم القضية الفلسطينية، مما جعلها تحتفظ بمكانة بارزة في العالم العربي كداعم ثابت لحقوق الشعوب المضطهدة. في هذا السياق، تطور الدور الجزائري خلال السنوات الأخيرة ليصبح أكثر فعالية وتأثيرًا، خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي اندلعت في أكتوبر 2023، مما شكل نقطة تحول في تعامل الجزائر مع القضايا الإقليمية.
حيث تولت الجزائر رئاسة الوفد العربي في الأمم المتحدة خلال الدورة الـ 78 للجمعية العامة في سبتمبر 2023. هذه الخطوة تأتي في إطار دور الجزائر الفاعل في دعم القضايا العربية على المستوى الدولي، وخاصة قضية فلسطين، إضافة إلى جهودها في تعزيز التعاون والتضامن بين الدول العربية والدفاع عن مصالحها في المحافل الدولية.
خلال ترؤسها الوفد، سعت الجزائر إلى التركيز على عدة قضايا مهمة، مثل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وإيجاد حلول سلمية للصراعات في الدول العربية، بالإضافة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعاون الدولي في مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والإرهاب. ويمكن استخلاص دور الجزائر في عدة نقاط:
1- تاريخ الجزائر وموقفها الثابت من القضية الفلسطينية
لطالما كان دعم الجزائر للقضية الفلسطينية محور سياستها الخارجية، حيث اعتبرت تحرير فلسطين واجبًا عربيًا وقوميًا. الجزائر، التي قدمت دعمًا ماليًا ودبلوماسيًا وسياسيًا للفلسطينيين منذ بداية الصراع العربي-الإسرائيلي، ترى في مقاومة الاحتلال حقًا مشروعًا، مستندة إلى تجربتها الخاصة في النضال ضد الاستعمار الفرنسي.
خلال العقود السابقة، كانت الجزائر من أبرز الدول التي دعت إلى حل عادل للقضية الفلسطينية يستند إلى قرارات الأمم المتحدة ويضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها. وعملت الجزائر دائمًا على تعزيز الوحدة العربية حول هذا الهدف، رافضة أي محاولات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون تسوية القضية الفلسطينية.
2- عملية "طوفان الأقصى" ودور الجزائر المتصاعد
في أكتوبر 2023، اندلعت عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تصاعد العنف بشكل كبير بين الجانبين. في هذا السياق، برز دور الجزائر بشكل لافت على عدة مستويات، بدءًا من الخطاب السياسي، مرورًا بالمبادرات الدبلوماسية، وصولًا إلى الدعم الإنساني.
أ. الموقف السياسي القوي
على الصعيد السياسي، أدانت الجزائر بشدة الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وأكدت دعمها لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة. كما نددت بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية واعتبرتها انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي. هذا الموقف يعكس التزام الجزائر الثابت بمساندة الفلسطينيين في مساعيهم لاسترداد حقوقهم المشروعة.
ب. التحرك الدبلوماسي في المحافل الدولية
دبلوماسيًا، عملت الجزائر على تحريك الملف الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي من خلال تقديم مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار عن غزة، وحماية المدنيين. الجزائر استغلت علاقاتها القوية في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية لحشد الدعم لصالح القضية الفلسطينية، مما جعلها أحد الأصوات البارزة في المنطقة التي تطالب بحل عادل وشامل للصراع. وما زالت حتى تاريخ كتابة المقال تسعى من خلال تزعمها الوفد العربي الى حث الجميع الى تدعيم موقفها في مجلس الامن نصرة للقضايا الأساسية.
ج. الوساطة والدعوة إلى الوحدة العربية
عقب التصعيد العسكري، دعت الجزائر الدول العربية إلى توحيد صفوفها واتخاذ موقف مشترك ضد العدوان الإسرائيلي، محذرة من تداعيات الانقسامات العربية على القضية الفلسطينية. الجزائر ركزت على ضرورة تعزيز التضامن العربي ودعم الفلسطينيين ماليًا وسياسيًا، وطالبت بتفعيل دور الجامعة العربية في هذا السياق.
كما انها رفضت التطبيع مع إسرائيل، وتعتبر أن هذا الموقف ينبع من التزامها بالدفاع عن القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني. هذا الرفض يمتد ليشمل رفض التعامل مع إسرائيل في ظل استمرار اعتداءاتها على الدول العربية.
3- موقف الجزائر من الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وحزب الله:
يتماشى مع توجهاتها السياسية والدبلوماسية الثابتة فيما يتعلق بالقضايا العربية والإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بدعم سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بالإضافة إلى الوقوف مع حركات المقاومة ضد الاحتلال.
حيث ان الجزائر تدين بانتظام الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، خاصة خلال الصراعات الكبيرة مثل حرب تموز (يوليو) 2006، وأكدت على حق لبنان في الدفاع عن أراضيه وسيادته، ودعمت الجهود اللبنانية للدفاع عن نفسها ضد أي اعتداءات خارجية، وخاصة من جانب إسرائيل.
اما موقف الجزائر من حزب الله هو موقف يتماشى مع توجهها العام في دعم حركات المقاومة ضد الاحتلال. الجزائر لطالما أكدت على شرعية مقاومة الشعوب المحتلة لاستعادة حقوقها، سواء في فلسطين أو لبنان. كما رفضت في عدة مناسبات الانضمام إلى محاولات بعض الدول لتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، معتبرة أن هذا الأمر يخضع للاعتبارات السياسية الإقليمية. الجزائر ترى أن حزب الله هو جزء من النسيج السياسي اللبناني، وله دور في الدفاع عن لبنان ضد الاعتداءات الإسرائيلية.
لطالما دعت الجزائر باستمرار إلى ضرورة احترام القرارات الدولية التي تدعو إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي عبر المفاوضات، والالتزام بالشرعية الدولية. وفيما يخص لبنان، تؤيد الجزائر تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي صدر بعد حرب 2006 ويدعو إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، مع دعم وحدة واستقلال لبنان.
كما لم تقصر الجزائر ان كان من الناحية السياسية، فهي كذلك لم تقصر بإمداد لبنان حاجته من النفط والغاز خلال الازمة الاقتصادية التي يمر بها، حيث اعطى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أوامره الفورية بإرسال باخرة فيول الى لبنان بدون مقابل دعما لصموده في أزمته وتأكيداً على الأخوّة العربية.
4- التحديات الأمنية والإرهاب: الخبرة الجزائرية كنموذج
إلى جانب دورها في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، اكتسبت الجزائر مكانة متقدمة في العالم العربي من خلال تجربتها الطويلة في مكافحة الإرهاب. بعد "العشرية السوداء" في التسعينيات، خرجت الجزائر بخبرة عميقة في التعامل مع الجماعات الإرهابية والتهديدات الأمنية. هذا جعلها شريكًا مهمًا للدول العربية في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف.
في هذا السياق، عززت الجزائر تعاونها مع الدول العربية، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي، حيث تشارك بفعالية في الجهود الرامية إلى الحد من انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة. هذا الدور الأمني يضاف إلى دورها السياسي، مما يعزز من موقعها الإقليمي كقوة محورية في المنطقة.
5- الدور الاقتصادي والديبلوماسي المتزايد
في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، تسعى الجزائر أيضًا إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول العربية. النفط والغاز هما ورقتان قويتان في يد الجزائر، حيث تسعى إلى تعزيز التعاون الخاص بالطاقة مع الدول العربية، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الطاقة. كما تشارك الجزائر بفعالية في المبادرات الاقتصادية المشتركة التي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول العربية.
6- استقلالية القرار الجزائري
ولعل ما يميز الجزائر الاستقلالية في صنع قراراتها السياسية، حيث تتخذ مواقفها بعيدًا عن الضغوط الخارجية. هذا الاستقلال يمنح الجزائر مصداقية كبيرة بين الدول العربية والإفريقية، حيث ينظر إليها كدولة ذات سيادة حقيقية لا تتبع أجندات خارجية، مما يجعلها وسيطًا نزيهًا في النزاعات الإقليمية.
ان تطور الدور الجزائري في المنطقة العربية بعد عملية "طوفان الأقصى" يعكس التزام الجزائر بدعم القضايا العادلة في العالم العربي، وخاصة القضية الفلسطينية. فقد استخدمت قوتها الدبلوماسية وتجربتها الأمنية لدعم الاستقرار الإقليمي، وتعزيز الوحدة العربية، ومواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب والاحتلال. هذا الدور المتنامي يعزز من مكانتها كدولة فاعلة وقادرة على التأثير في مسار الأحداث في العالم العربي.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :