استيقاظ العدالة الدولية
بقلم: الدكتورة رشا إبراهيم أبو حيدر
أستاذة جامعية وناشطة اجتماعية
ضج المجتمع الدولي اجمع عندما أصدر المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان مذكرة توقيف في حق كل من نتنياهو وغالانت (الذي أقاله رئيس الوزراء الإسرائيلي مطلع تشرين الثاني2024) على خلفية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يشتبه في أنها ارتكبت في غزة. كما طلب إصدار مذكرات توقيف في حق قادة من حماس بينهم محمد الضيف للاشتباه في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وصنفت هذه المذكرة سرية حماية للشهود واهاليهم.
ولكن ما قيمة هذه المذكرة وهل من الممكن إيقاف المطلوبين؟
بداية يجب التأكيد على ان إسرائيل لم توقع على نظام روما الأساسي لإنشاء المحكمة الدولية وبالتالي يمكن لها ان ترفض اختصاص المحكمة حسب نص المادة 13 من النظام، وفي حال ارادت استئناف القرار كما صدر على لسان أحد مسؤوليها فهو اعتراف وقبول ضمني باختصاص المحكمة وفقاً للمادة 13 البند الثالث من النظام.
اما من حيث انعقاد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية فانه منعقد للمحكمة وفقاً للمادة 13 من نظامها الأساسي طالما ان المدعي العام باشر بالتحقيق من تلقاء نفسه على أساس المعلومات التي تشكل جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة.
اما من حيث صلاحيات المدعي العام في المحكمة الدولية وما ستؤول اليه مذكرة التوقيف، نصت المادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية البند الثالث على انه:" اذا استنتج المدعي العام ان هناك أساسا معقولا للشروع في اجراء تحقيق، يقدم الى دائرة ما قبل المحاكمة طلباً للإذن بإجراء تحقيق مشفوعاً بأية مواد مؤيدة يجمعها،......" ، بناء عليه، اذا تكوّن الاعتقاد لدى المدعي العام ان ما قام به المتهمين يشكل جريمة دولية من الجرائم التي نص عليها النظام الأساسي يعطي أوامره لإجراء التحقيق.
كما تنص المادة 18 من النظام انه إذا احيلت حالة الى المحكمة وقرر وفقا للمادة 15 انه تشكل أساسا معقولاً للبدء بالتحقيق، يقوم المدعي العام بإشعار جميع الدول الأطراف والدول التي يرى في ضوء المعلومات المتاحة اليه ان من عادتها ان تمارس ولايتها على الجرائم موضع النظر، وللمدعي العام ان يشعر هذه الدول بشكل سري لحماية المعلومات والشهود.
ووفقا للمادة 58 من النظام تصدر دائرة ما قبل المحاكمة في أي وقت بعد الشروع في التحقيق وبناء على طلب المدعي العام امرا بالقبض على الشخص إذا اقتنعت بان هناك أسباب معقولة للاعتقاد بان الشخص قد ارتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.
ووفقاً للمادة 59 التي نصت على إجراءات القاء القبض انه على الدول الأطراف التي تتلقى طلبا بالقبض والتقديم ان تقوم مباشرة باتخاذ الإجراءات اللازمة الى تسليمه الى المحكمة، ذلك ان الدول الأعضاء ملزمة قانونياً بالتعاون مع المحكمة وقد يؤدي ذلك الى ردود فعل سلبية من الدول الكبرى وخاصة اميركا للامتناع عن مد يد المساعدة للمحكمة الدولية. وأكبر مثال على الاستنسابية في المواقف من المحكمة الجنائية ما صدر عن اميركا في مواضع عدة، حيث اعتبرت ان مذكرة اعتقال عمر البشير يجب احترامها وتنفيذها وان مذكرة اعتقال بوتين نقطة قوية للمحكمة وتم الترحيب بالقرار ودعمه، اما مذكرة اعتقال نتنياهو فلاقى رفضاً قاطعا من اميركا واعتبرت ان المحكمة لا تتمتع بولاية قضائية والتحقيق الجنائي شابه أخطاء مقلقة.
هذا في القانون وحسب نصوص ومواد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن هل يمكن ان يؤدي ذلك الى محاكمة المتهمين؟ نحن امام مرحلة أولى من المحاكمة والتي تعتبر خطوة أساسية لبدء المحاكمة مع المتهمين وقد تبدأ المحاكمة إذا افترضنا انه تم تسليمهم الى المحكمة وقد يتم منع المحاكمة فيما بعد. وكل ذلك يعتمد على تعاون الدول الأعضاء، حيث ان عدم اعتقالهم او تسليمهم بعد الاعتقال تبقى رمزية لكنها تضيّق على المتهمين واختياراتهم الدولية.
ولكن من حيث الواقع والتطبيق، ثمة قيود كبيرة امام الاستمرار في المحاكمة إذا ما عدنا الى نصوص النظام الأساسي وخاصة المادة 18 البند الثاني الذي حد من صلاحيات المدعي العام عندما تُبلغ الدولة التي من رعاياها أحد المتهمين انها تمارس سلطتها واختصاصها القضائي على الجريمة موضوع البحث التي تشكل جريمة دولية، وبناء على طلب تلك الدولة يتنازل المدعي العام عن التحقيق شرط ان يكون ذلك في فترة شهر من تلقي هذه الدولة اشعارا من المحكمة.
ان إسرائيل ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، ما يعني أنها غير ملزمة قانونيًا بالتعاون مع المحكمة. كما أن تنفيذ مذكرة التوقيف يتطلب تعاونا دوليا قويا، وهو أمر قد يكون صعبا بسبب الضغوط السياسية. كما انه لو افترضنا ذهبنا الى اصدار احكام بحق المتهمين ليس للمحكمة الجنائية الدولية أداة للتنفيذ وقد يمكن اللجوء الى مجلس الامن لتطبيق الاحكام ونعود بذلك الى الدائرة الأولى حيث تتحكم السياسة بتطبيق القرارات والاحكام وبذلك لن تطبق العدالة الدولية.
ان مذكرة الاعتقال سلطت الضوء وزادت من التركيز على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي ارتكبها العدو الإسرائيلي، وتعطي الفرصة للفلسطينيين لإثبات حقهم القانوني في المحافل الدولية، كما ينبغي على الدول العربية الأعضاء وغير الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية تقديم الدعم السياسي نحو محاكمة نتنياهو وغالانت .
ان إصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو سيكون تصعيدًا غير مسبوق، وتتطلب تعاوناً دوليا بين كافة الأعضاء المنضمين الى المحكمة الجنائية الدولية سواء بتقديم المعلومات وإجراءات القبض والملاحقة، ولكن التنفيذ الفعلي سيواجه عقبات قانونية وسياسية كبيرة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :