ربما يعد دونالد ترامب من أبرز الساسة الذين أثاروا الكثير من الجدل داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.
فرحلة رجل الأعمال التي بدأت من قطاع الإنشاءات مرورا ببريق البرامج التلفزيونية وصولا إلى البيت الأبيض، ساهمت في تزايد الاستقطاب بشأن شخصية ترامب، فهو "غوغائي ومبتذل" عند معارضيه، بينما يمثل "الزعيم القادر على قيادة البلاد في ظل أوضاع متدهورة على جميع الأصعدة" بحسب مؤيديه.
ترامب يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة ممثلا للحزب الجمهوري بعد سنوات أربع من خسارته للسباق الرئاسي وما أعقب ذلك من مشاهد غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي مع اقتحام أنصاره للكونغرس.
كذلك سيخوض الانتخابات بعد أشهر من إدانته في جريمة جنائية في سابقة لم تعرفها البلاد من قبل.
تأثير الأب
ولد دونالد جون ترامب في حي كوينز في مدينة نيويورك في الرابع عشر من يونيو/حزيران 1946، وهو الابن الرابع لعملاق العقارات فريد ترامب وزوجته الاسكتلندية ماري ماكليود.
كان لوالده تأثير كبير عليه، فبخلاف الثروة، شجع الأب ابنه على أن يكون قوي الشخصية، ودربه على فن الترويج للذات.
التحق ترامب بأكاديمية تعليمية ذات طابع عسكري في عمر الثالثة عشرة بسبب سلوكه المشاغب أثناء الدراسة.
درس في جامعة فوردهام في نيويورك، وكلية وارتون في بنسلفانيا، حيث حصل على شهادة في الاقتصاد. كما عمل في شركة والده أثناء دراسته.
أصبح دونالد المرشح الأوفر حظا لخلافة والده بعد أن قرر شقيقه الأكبر فريد أن يصبح طيارا، قبل أن يموت في عمر الـ 43 عاما نتيجة إدمانه الكحول، وهو الحدث الذي قال دونالد ترامب إنه أقنعه بتجنب الكحول والتدخين طيلة حياته.
يقول ترامب إن بدايته في قطاع العقارات بدأت بـ "قرض صغير بقيمة مليون دولار من والده".
وأشرف ترامب على مشروعات إسكانية تابعة لشركة والده في أحياء نيويورك، قبل أن يتولى مسؤولية إدارة الشركة بأكملها، وأطلق على الشركة اسما جديدا في عام 1971 وهو "مؤسسة ترامب".
توفي الأب، الذي قال ترامب أنه كان يمثل "مصدر إلهام له"، في عام 1999.
من العقارات إلى الترفيه
تحولت مشروعات الشركة تحت رئاسة ترامب من إنشاء وحدات سكنية في أحياء بروكلين وكوينز إلى بناء مشروعات فارهة في مانهاتن.
وفي أحد شوارع نيويورك الشهيرة (فيفث أفنيو)، تم تشييد برج ترامب، الذي صار أشهر بناء للشركة وتحول لمقر سكنه لعدة سنوات.
كذلك، امتد نشاط ترامب ليشمل إنشاء صالات قمار وفنادق وملاعب غولف في مناطق مختلفة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ولم يقتصر توسع ترامب على عالم العقارات والمقاولات، بل وصل إلى عالم صناعة الترفيه بامتلاك حقوق امتياز مسابقات ملكة جمال أمريكا، ثم المشاركة في برنامج تلفزيوني للمسابقات باسم "المتدرب".
استمر عرض البرنامج على مدار 14 موسما تنافس خلالها شباب طامحون من أجل الحصول على عقد عمل في شركات ترامب، الذي اشتهر في البرنامج بعبارة "أنت مطرود" التي كان يوجهها للمتنافسين غير الناجحين.
كما ألف ترامب أيضا العديد من الكتب وشارك في أفلام وفقرات الترفيه التي تسبق مسابقات مصارعة المحترفين. لقد تاجر ترامب في كل شيء، من المشروبات إلى رابطات العنق. لكن إجمالي قيمة ثروته تراجع في السنوات الأخيرة، إذ قدرت مجلة فوربس حجم ثروته بنحو 4 مليارات دولار.
كما تقدم ترامب بدعوات لإشهار إفلاسه في 6 مرات مختلفة، كذلك انهار بعض من مشروعاته، ومن بينها جامعة ترامب.
ورفض ترامب الإفصاح عن بياناته الضريبية، وكشفت صحيفة نيويورك تايمز أنه تجنب دفع ضريبة الدخل وتعرض لخسائر مالية.
حظيت حياة ترامب الشخصية باهتمام إعلامي وجماهيري كبير.
زوجته الأولى، وربما الأكثر شهرة، كانت عارضة الأزياء التشيكية إيفانا زيلنيكوفا، التي أنجبت له ثلاثة أبناء هم دونالد جونيور (الابن)، وإيفانكا، وإريك.
انفصل الزوجان في عام 1990 لتتصدر التفاصيل الخاصة بالنزاعات القضائية بينهما أغلفة الصحف التي تولي اهتماما بحياة المشاهير.
كما زعمت زيلنيكوفا أنها تعرضت لعنف أسري على يد ترامب، لكنها تراجعت عن الكثير من تلك الاتهامات لاحقا.
وفي عام 1993 تزوج ترامب الممثلة مارلا مابيلز بعد شهرين من إنجابها طفلتهما الوحيدة تيفاني. وفي عام 1996 تم الطلاق.
وفي عام 2005، أعلن ترامب زواجه للمرة الثالثة من ميلانيا كناوس، وهي سلوفينية المولد حاصلة على الجنسية الأمريكية، وقد انجبت له ابنهما بارون.
لاحقت ترامب مزاعم إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج.
ففي وقت سابق من العام الجاري، قضت هيئتان قضائيتان بأن ترامب شهّر بالكاتبة إي جين كارول بإنكاره لاتهامها له بالاعتداء الجنسي. وقد أُمر بدفع 88 مليون دولار لها في المجموع، لكنه قدّم استئنافا.
كما أُدين ترامب بـ34 جناية لتزوير سجلات تجارية من أجل التستر على اتفاق مالي سري مع ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز بشأن علاقة مزعومة في عام 2006.
المرشح الرئاسي
في مقابلة أجراها عام 1980، وصف ترامب، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 34 عاما، السياسة بأنها "عالم وضيع للغاية"، قائلا إن" الأشخاص أصحاب القدرات المميزة يختارون عالم المال والأعمال".
لكن في عام 1987 بدأ ترامب في الحديث عن خوض الانتخابات الرئاسية، وفي عام 2000 كان يدرس المنافسة في السباق الرئاسي كمرشح لحزب الإصلاح، كذلك أعرب عن رغبته في المشاركة في انتخابات 2012 كمرشح للحزب الجمهوري.
وكان ترامب من أبرز المروجين لنظرية مؤامرة مفادها أن باراك أوباما لم يكن مولودا في الولايات المتحدة، وهو أحد الشروط الرئيسية التي يجب أن تتوافر في أي رئيس للبلاد.
ولم يقر ترامب بأن الأمر لا يعدو كونه اتهاما كاذبا إلا في عام 2016، لكنه لم يعتذر أبدا عن نشر تلك المزاعم.
وفي عام 2015 أعلن ترامب رسميا خوضه السباق الرئاسي رافعا شعار "إحياء الحلم الأمريكي الذي مات".
وتركزت حملته على نجاحاته في عالم الاقتصاد واتهامه للمكسيك بتهريب تجار المخدرات والمجرمين والمغتصبين، متعهدا بأن يجبر المكسيك على تحمل نفقات بناء حائط حدودي بين البلدين.
نهج ترامب هذا جذب له أنصارا ومؤيدين، وخلق له أعداء ومعارضين.
وتحت شعار "فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، تمكن ترامب بسهولة من التغلب على منافسيه في الحزب الجمهوري، ليكون مرشح الحزب في مواجهة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.
وقد شابت حملة الوافد الجديد العديد من الفضائح، بما في ذلك تسريب تسجيل صوتي له وهو يتفاخر بالتحرش الجنسي، ليتراجع في استطلاعات الرأي طوال فترة الانتخابات.
لكن ترامب تغلب على نبوءات المحللين واستطلاعات الرأي وحقق فوزا مذهلا على سياسية مخضرمة. وقد أدى اليمين الدستورية كالرئيس الـ45 للبلاد في 20 يناير/كانون الثاني 2017.
الرئيس
شهدت رئاسة ترامب منذ بدايتها مشاهد درامية غير مسبوقة، حيث كان غالبًا ما يصدر إعلانات رسمية عبر موقع تويتر (إكس حاليا) ويدخل في مواجهات علنية مع قادة دول أجنبية.
انسحب ترامب من اتفاقيات كبرى بشأن المناخ والتجارة، وحظر السفر من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وأصدر قيودًا صارمة أخرى على الهجرة، وشن حربًا تجارية مع الصين، وطبّق تخفيضات ضريبية قياسية، وأعاد تشكيل العلاقات في الشرق الأوسط عبر التوسط في اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل ودول عربية.
وفي ظل هذه التطورات أجرى مستشار خاص تحقيقا في مزاعم التواطؤ بين حملة ترامب 2016 وروسيا. واجه أربعة وثلاثون شخصًا تهماً جنائية - في مسائل مثل اختراق الحواسيب والجرائم المالية - لكن ترامب لم يكن من بينهم. ولم يثبت التحقيق وجود تواطؤ جنائي.
وبعد فترة وجيزة، أصبح ترامب ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يُحاكم أمام الكونغرس تمهيدا لعزله، بسبب اتهامات بأنه ضغط على حكومة أجنبية للحصول على معلومات ضارة ضد منافسه الديمقراطي جو بايدن. وقد وافق مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين على عزله، لكنه بُرئ في مجلس الشيوخ بقيادة الجمهوريين.
وفي عام 2020 كان ترامب على موعد مع تحد جديد في عام الانتخابات ألا وهو فيروس كورونا.
فقد واجه انتقادات شديدة بسبب تعامله مع الأزمة، حيث كانت الولايات المتحدة تتصدر العالم في عدد الوفيات والإصابات، وبسبب تصريحاته المثيرة للجدل، مثل اقتراحه البحث في إمكانية علاج الفيروس عن طريق حقن الجسم بمطهرات.
اضطر إلى تعليق نشاطاته في حملته الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول بعد أن تم تشخيص إصابته بفيروس كورونا.
وعلى الرغم أن انتخابات 2020 أسفرت عن حصد ترامب 74 مليون صوت - وهو ما يزيد عن ما حققه أي رئيس أمريكي كان يسعى للحصول على ولاية ثانية – إلا أنه خسر السباق أمام بايدن بفارق أكثر من سبعة ملايين صوت.
وفي الأسابيع التالية على إعلان خسارته للانتخابات، بدأ ترامب ينشر مزاعم عن سرقة الأصوات والاحتيال الانتخابي الواسع النطاق - وهي مزاعم تم دحضها في أكثر من 60 قضية قضائية.
وفي السادس من يناير/كانون الثاني 2021 حشد ترامب أنصاره في واشنطن وحثهم على التوجه نحو مبنى الكابيتول في الوقت الذي كان من المقرر أن يتم فيه التصديق رسميًا على فوز بايدن من قبل الكونغرس.
وتحول ذلك التجمع إلى شغب وضع أعضاء الكونغرس ونائبه في خطر وأدى إلى محاكمة عزل تاريخية ثانية. لكن ترامب بُرئ مرة أخرى من قبل مجلس الشيوخ، وإن كان بفارق أقل.
وتنظر المحاكم الأمريكية في قضايا جنائية متهم فيها ترامب بشأن اقتحام الكونغرس.
العودة
بدت مسيرة ترامب السياسية وكأنها قد انتهت بعد اقتحام أنصاره مقر الكونغرس. إذ تعهد المانحون والداعمون بعدم دعمه مرة أخرى، حتى أن أقرب حلفائه تبرأوا منه علنًا.
ولم يشارك ترامب في حفل تنصيب خلفه جو بايدن، وانتقل بعائلته إلى فلوريدا، لكنه احتفظ بدعم عدد كبير من الأنصار، ما منحه نفوذا كبيرا في الحزب الجمهوري.
ربما جاء الإرث الأكثر تأثيرا لترامب بعد انتهاء فترة ولايته عندما وافقت أغلبية قضاة المحكمة العليا - ومن بينهم قضاه عينهم ترامب - على إلغاء حق الإجهاض على مستوى البلاد.
وعلى الرغم من إلقاء اللوم عليه في النتائج السيئة للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس لعام 2022، أعلن ترامب عن خوضه انتخابات رئاسية أخرى وسرعان ما أصبح المرشح الأبرز لحزبه.
تحدى أكثر من عشرة معارضين، بما في ذلك نائب رئيسه السابق، لكنه تفوق عليهم حيث تجنب منصة المناظرات ووجه نيرانه نحو بايدن.
كان ترامب يواجه 91 تهمة جنائية عبر أربع قضايا جنائية، لكن استراتيجيته في تأخير القضايا القانونية حققت نجاحًا كبيرًا. إذ لن يتم البت في ثلاث قضايا قبل الانتخابات.
وفي 13 يوليو/تموز، حاول مسلح يبلغ من العمر 20 عامًا اغتيال ترامب خلال تجمع انتخابي في باتلر، بنسلفانيا. أطلق توماس ماثيو كروكس ثماني طلقات من بندقية من طراز AR من أعلى سطح قريب، مما أدى إلى إصابة ترامب في أذنه اليمنى قبل أن يُقتل المسلح على يد القناصة.
بعد أيام، في المؤتمر الوطني الجمهوري، أعلن الحزب الجمهوري ترامب مرشحا له كي يخوض الانتخابات أمام نائبة بايدن، كامالا هاريس.
تشير استطلاعات الرأي الوطنية إلى أنه، وعلى الرغم من أن هاريس قد حشدت الناخبين الليبراليين وجمعت ملايين الدولارات، إلا أن السباق متعثر.
وقد أخبر ترامب أنصاره أن 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 - موعد الانتخابات الأمريكية - سيكون "أهم تاريخ (يوم) في تاريخ بلدنا".
نسخ الرابط :